اليابان | التحفة الفنية التي اجتاحت العالم: أسرار «الموجة العظيمة» وعلاقتها بالعملة اليابانية

لقد تم اعتبار لوحة ”الموجة العظيمة قبالة كاناغاوا“ لهوكوساي، والتي كانت في الأصل لوحة مرسومة بشكل جماعي ومتداولة في اليابان في القرن التاسع عشر كجزء من سلسلة أعمال فنية ناجحة تصور جبل فوجي، تحفة فنية من قبل الفنانين وجامعي الأعمال الفنية في الغرب، وأصبحت أيقونة دولية. والآن تظهر على أحدث ورقة نقدية يابانية من فئة الألف ين.

الموجة التي اجتاحت العالم

تُعتبر سلسلة ”ستة وثلاثون مشهدًا لجبل فوجي“ مجموعة من لوحات فن ”أوكيو-إي (نوع من الرسم ظهر في عصر إيدو)“ للفنان هوكوساي كاتسوشيكا (1760-1849)، الذي كان في السبعينيات من عمره عندما أنجز هذا العمل. وتزامنت هذه السلسلة مع زيادة الاهتمام بالحج إلى الجبل المقدس بين سكان مدينة إيدو (طوكيو حاليًا)، وحققت نجاحًا فوريًا، مما أدى إلى إضافة عشر لوحات أخرى إليها. وأكدت هذه السلسلة مكانة صور المناظر الطبيعية لـ ”الأماكن الشهيرة“ كنوع شائع من الأعمال الفنية، وألهمت كوكبة من المتابعين الموهوبين، بمن فيهم أوتاغاوا هيروشيغي. وكانت تحفة هوكوساي علامة فارقة في تاريخ الفن الياباني، وتأثيرها كان ملموسًا تقريبًا على الفور خارج اليابان.

وقد استمدت السلسلة إلهامها من جبل فوجي، الذي ظل رمزًا لليابان لقرون طويلة، وتمت إضافته إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2013، ويزين صفحات جوازات السفر اليابانية منذ ذلك الحين. وتتألف السلسلة من صور مركبة ببراعة، وتصور الجبل من قرب وعن بعد، ولكن هناك صورة واحدة على وجه الخصوص تركت انطباعًا خاصًا لدى الناس في جميع أنحاء العالم، ألا وهي منظر الجبل كما يُرى من تحت ”الموجة العظيمة قبالة كاناغاوا„. وقد تم اختيار جزء من هذه اللوحة على الأقل بسبب شهرتها العالمية كصورة للأوراق النقدية الجديدة من فئة ألف ين، والتي سيتم تداولها بدءًا من شهر يوليو/تموز من عام 2024.


لوحة ”الموجة العظيمة قبالة كاناغاوا“ لهوكوساي كاتسوشيكا من سلسلة ”ستة وثلاثون مشهدًا لجبل فوجي“ (حوالي عام 1832). (الصورة مقدمة من متحف سوميدا هوكوساي)

وتُظهر اللوحة ثلاثة قوارب صيد تتقاذفها أمواج البحر المضطربة، ويبدو أنها على وشك أن تبتلعها موجة عاتية، بينما تبدو القمة الشامخة للجبل المقدس منعزلة وهادئة من بعيد. وقد ظهرت صورة اللوحة، المعروفة عالميًا باسم ”الموجة العظيمة“، على طابع بريدي فرنسي وعلى جدران مجمع سكني عملاق في موسكو. وقد أصبحت جزءًا منتشرًا في كل مكان من الثقافة الجماهيرية العالمية، ومألوفة لملايين الأشخاص الذين لم يزوروا اليابان أو يسمعوا باسم الفنان.

وتعكس الأسعار في السوق الفنية الدولية شهرة أعمال هوكوساي وشعبيتها. ففي عام 2024، بيعت مجموعة كاملة من 46 نسخة من هذه السلسلة في مزاد علني مقابل 3.6 ملايين دولار أمريكي في الولايات المتحدة. ولعل الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أنه في العام الذي سبق ذلك بيعت نسخة واحدة من لوحة ”الموجة العظيمة“ بمبلغ 2.8 ملايين دولار أمريكي. وقد كانت هذه النسخة من أوائل النُسخ التي تمت طباعتها قبل أن تبدأ القوالب الخشبية في التآكل بسبب الاستخدام المتكرر. وتُعد نُسخ الجيل الأول من المطبوعات ذات القيمة العالية لدى جامعي الأعمال الفنية لنقائها ووضوحها. ومع ذلك، كان هذا ثمنًا رائعًا لنسخة متداولة من بين مئات النسخ المعاصرة.


سلسلة ”ستة وثلاثون مشهدًا لجبل فوجي“ لهوكوساي معروضة في دار مزادات في نيويورك بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 2023. (© جيجي برس)

تأثير ”الموجة“ على الفنانين الأوروبيين

يمكن إرجاع الشعبية العالمية لـ ”موجة“ هوكوساي إلى معرض باريس الذي أُقيم في عام 1867. فقد كانت تلك المناسبة بمثابة ”الظهور الأول“ لليابان الحديثة على الساحة العالمية، بعد أكثر من قرنين من الانعزال عن العالم. حيث لفتت الأعمال المعروضة من لوحات فن أوكيو-إي وغيرها من الأعمال الفنية انتباه الأوروبيين بغرابة موضوعاتها وأسلوبها الجديد. وجذب الفن الياباني المزيد من الاهتمام في المعارض اللاحقة التي أُقيمت في الأعوام 1878 و1889 و1900، وأدى ذلك إلى إلهام حركة ”الجابونيزم (بالفرنسية: Japonisme، وتعني تأثير الحضارة والفن الياباني على أوروبا)“.

وكان الرسم الأكاديمي في فرنسا في القرن التاسع عشر محكومًا بتسلسل هرمي صارم للأنواع الفنية، وعلى رأسها اللوحات التاريخية للمشاهد التوراتية والأسطورية، يليها فن البورتريه (فن رسم الأشخاص) ومشاهد الحياة اليومية. ولم يكن يُنظر إلى المناظر الطبيعية وصور الحياة الصامتة على أنها تستحق النظر النقدي الجاد. لكن لوحات فن الأوكيو-إي جذبت الناس العاديين بفضل فورية مواضيعها التي كانت في الغالب أشياء مستمدة من الطبيعة، مثل الزهور والحشرات. كما ألهمت تلك اللوحات الفنانين الطليعيين، الذين دمجوا الأفكار والتقنيات اليابانية، وكان لهم تأثير تكويني على الحركة الانطباعية الناشئة.

كان للوحة ”الموجة“ لهوكوساي، التي تهيمن فيها موجة ضخمة على التكوين، تأثير قوي بشكل خاص على الفنانين الغربيين. وكان فنسنت فان غوخ من هواة جمع اللوحات اليابانية. وتحتوي إحدى رسائله إلى أخيه ثيو والمرسلة في عام 1888 على وصف حي لتلك اللوحة حيث يقول ”إن هوكوساي يجعلك تبكي بسبب نفس الشيء.. ففي حالته، بخطوطه ورسمه.. حيث تقول لنفسك في رسالتك: إن هذه الأمواج عبارة عن مخالب، والقوارب عالقة بها، ويمكنك أن تشعر بذلك“.

وقد أنتج النحات الفرنسي كاميل كلوديل قطعة تجمع بين موجة شاهقة وثلاث نساء جميلات كلاسيكيات يستحممن على الشاطئ. وحملت الطبعة الأولى من مقطوعة ”البحر (بالفرنسية: La Mer )“ لكلود ديبوسي صورة لموجة مستوحاة بوضوح من أعمال هوكوساي.


الطبعة الأولى من معزوفة ”البحر“ لكلود ديبوسي (1905). (© Dea/G. Dagli Orti/De Agostini، غيتي إميجيز)

عودة هوكوساي إلى وطنه الأم

في الأصل، كانت لوحات أوكيو-إي عبارة عن وسيلة ترفيه رخيصة تُباع بنفس ثمن وجبة معكرونة الصوبا تقريبًا، لذا فإن أولئك الذين قاموا برسمها لم يكن لديهم نفس مفهوم ”الفن“ كما هو الحال اليوم. فقد كان نموذج أعمالهم يقوم على الإنتاج والبيع بكميات كبيرة وعلى أوسع نطاق ممكن. لذلك اتبع الفنانون وناشروهم جميع الاتجاهات الشعبية، فقاموا برسم لوحات لممثلي الكابوكي المشهورين والنساء الحسناوات (على غرار ”عارضات البوب“ في الوقت الحالي)، ولوحات تشبه الملصقات للأماكن الشهيرة، ولوحات ”شونغا (لوحات إباحية انتشرت في عصر إيدو)“ بلا خجل أيضًا.

ولكن بعد الانفتاح القسري لليابان على القوى الغربية منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، انفتحت البلاد أمام طوفان من التأثيرات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى تغير المزاج العام. فقد بدأ الناس ينظرون إلى الثقافة الشعبية في عصر إيدو (1603-1868) نظرة دونية باعتبارها غير متطورة وإقطاعية ومحرجة. وعلى عكس ما حدث في الغرب، حيث حافظت حركة ”الجابونيزم“ على الانبهار بكل ما هو ياباني لبعض الوقت، فقد تلاشت طفرة الاهتمام بالأوكيو-إي في اليابان نفسها، وتناثرت مجموعات أعمال الفنانين الذين كانوا مشهورين في السابق في الخارج. ولم تكن أعمال هوكوساي استثناءً من ذلك، ففي عصر نهضة ميجي كانت لوحاته تُستخدم كمواد تغليف لبضائع أكثر قيمة يتم شحنها إلى الخارج. ولم يدرك الناس في اليابان القيمة الفنية للوحات مرة أخرى إلا بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصبحت مشهورة وتحظى بالتقدير في الخارج.

وفي عام 1999، أي بعد 150 عامًا من ولادته، اختارت مجلة ”لايف“ الأمريكية هوكوساي كواحد من ”مئة شخصية مؤثرة في الألفية الأخيرة“، وهو الياباني الوحيد في القائمة. وقد استمرت سمعته الدولية في الانتشار في القرن الحادي والعشرين، وأُقيمت معارض كبرى لأعماله في القصر الكبير في باريس (عام 2014)، والمتحف البريطاني (عام 2017)، ومتحف بوسطن للفنون الجميلة (عام 2023)، حيث اجتذبت أعدادًا كبيرة من الجمهور.

وقد أُقيم في اليابان أيضًا عدد من المعارض المتكررة لأعماله في السنوات الأخيرة، كما تمت استعادة العديد من لوحاته الرائعة من الخارج. ومن الإنصاف القول إن إعادة التقدير لأهمية أعمال هوكوساي في وطنه الأم يرجع إلى حد كبير إلى المعجبين الأجانب الذين جمعوا أعماله وحافظوا عليها.


زار حوالي 350 ألف شخص معرض هوكوساي في القصر الكبير في باريس. الصورة بتاريخ 29 سبتمبر/أيلول 2014. (© رويترز)

الجذور الدولية للوحة ”الموجة العظيمة“

لماذا أصبحت هذه اللوحة على وجه الخصوص تحظى بشعبية كبيرة بين الناس خارج اليابان يا ترى؟ تقول أوكودا أتسوكو، كبيرة أمناء متحف سوميدا هوكوساي في حي سوميدا في طوكيو، إن أحد الأسباب قد يكون تأثر هوكوساي نفسه بالفن غير الياباني. وقد ساعدت أوكودا مؤخرًا في تنظيم معرض كبير عن اللوحة تحت عنوان ”تأثير الموجة العظيمة لهوكوساي“، والذي يستمر حتى الخامس والعشرين من شهر أغسطس/آب من عام 2024.


على اليسار: متحف سوميدا هوكوساي الذي يقع بالقرب من المكان الذي ولد فيه الفنان، ويحظى بشعبية لدى الزوار الأجانب، (© Nippon.com). إلى اليمين: ملصق يعلن عن معرض ”الموجة العظيمة“ الذي يستمر من 18 يونيو/حزيران إلى 25 أغسطس/آب (الصورة من تقديم متحف سوميدا هوكوساي).

ولعل أكثر ما يلفت النظر في هذه اللوحة هو استخدامها المذهل للون الأزرق الزاهي. وقد أصبح ذلك ممكنًا بفضل ”الأزرق البروسي (الأزرق المخضَّب)“ الذي تم اختراعه في ألمانيا في القرن الثامن عشر. وعُرف هذا الصباغ في اليابان باسم ”بيرو-آي“ (بيرو من برلين، وآي تعني النيلي)، وقد أتاح هذا الاستيراد الجديد لهوكوساي إنتاج ألوان زرقاء أكثر نضارة وجاذبية من أي شيء رآه الناس من قبل.

وتعتمد لوحات هوكوساي لجبل فوجي أيضًا على المنظور الغربي. ففي لوحة الموجة الشهيرة، تم تركيب الإطار بمهارة لجذب عين المشاهد بشكل طبيعي من الموجة التي تهيمن على مقدمة اللوحة إلى جبل فوجي في الخلف. وتقارن أوكودا هذه اللوحة الشهيرة بنسخة لنفس الموضوع تم رسمها قبل حوالي ثلاثين عامًا تصور منظرًا للبحر قبالة هونموكو في كاناغاوا، حيث تقول ”هذا العمل السابق يظهر بالفعل علامات هذا الإحساس المتطور بالعمق والمنظور“.


لوحة ”البحر قبالة هونموكو في كاناغاوا“، ”النموذج الأولي“ للوحة الموجة الشهيرة (1804-1807). (الصورة من تقديم متحف سوميدا هوكوساي)

لقد كان التصوير الدقيق والمفصل للأمواج إحدى بطاقات الدعوة لمدرسة الرينبا (إحدى المدارس التاريخية الرئيسية للرسم الياباني) للرسم التي كان هوكوساي ينتمي إليها في السنوات الأولى من حياته المهنية. وقد لعبت هذه المدرسة دورًا هامًا في تطوير أسلوب ”ياماتو-إي (أحد مجالات الرسم الياباني)“ اللامع والملون للرسم الياباني، والذي غالبًا ما كان يتناول موضوعات من الطبيعة. كما تعلَّم هوكوساي أيضًا من واقعية اللوحات الصينية للطيور والزهور (هوانياو-هوا)، واستخدم هذه التقنيات بفعالية لالتقاط الرأس المترنح للموجة الشاهقة التي توشك على الانهيار في الرذاذ.

وقد كرَّس هوكوساي حياته لفنه. وعلى مدار سنواته الثماني والثمانين، غيَّر مكان سكنه 93 مرة، حيث كان يبدع باستمرار أينما ذهب. وعندما توفي، ترك أكثر من ثلاثين ألف عمل فني. وقد أشار إلى نفسه بأنه ”شيطان الرسم“، وربما كانت هذه الشهية الشيطانية الشرهة للفن هي التي سمحت له باستيعاب تقنيات من التقاليد اليابانية والصينية والغربية ودمجها لإنتاج أعمال تُظهر هذا التوازن الرائع بين الواقعية والمبالغة في التأثير.


رسم هوكوساي ما مجموعه 102 صورة لجبل فوجي. الصورة هي لوحة ”فوجي فوق البحر“ (1834) من سلسلة ”مئة منظر لجبل فوجي“ في متحف سوميدا هوكوساي. معروضة طوال فترة المعرض. (الصورة من تقديم متحف سوميدا هوكوساي)


لوحة ”البحر في ساتَّا في مقاطعة سوروغا“ (1858) لأوتاغاوا هيروشيغي هي لوحة تكريم من فترة متأخرة لرسَّام محترف لسلفه العظيم. (الصورة من تقديم المتحف البريطاني)

لقد أصبحت موجة هوكوساي لوحة كلاسيكية ألهمت عددًا لا يُحصى من أعمال التكريم والمحاكاة الساخرة. واستمر الفنانون في الاقتباس من أسلوبه وفنه التشكيلي حتى الوقت الحاضر. وفي مرحلة من المراحل، كانت أعمال هوكوساي تُعامل على أنها قصاصات ورق لا قيمة لها. وبعد مرور قرن ونصف، أصبحت تباع بملايين الدولارات. والآن ستتم طباعة أشهر لوحاته على العملة الوطنية ليراها الملايين من الناس كل يوم. وسيكون الفنان مسرورًا لرؤية التأثير الذي أحدثته موجته العظيمة، التي تتغير باستمرار مثل البحر، وتستحوذ على خيال الكثير من الناس حول العالم.


داخل المعرض في متحف سوميدا هوكوساي في طوكيو (© Nippon.com)

لمزيد من التفاصيل عن المعرض يُرجى الاطلاع على الموقع الإلكتروني لمتحف سوميدا هوكوساي:
https://hokusai-museum.jp/?lang=en

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: الوجه الخلفي للورقة النقدية الجديدة من فئة ألف ين في الوسط (© رويترز)، محاطة مع اتجاه عقارب الساعة من أعلى اليسار بمعرض هوكوساي في المتحف البريطاني بتاريخ 10 يناير/ كانون الثاني 2017 (© كارل كورت/غيتي إيمجز)، ومركز كومونت للفنون في إيكس أون بروفانس بتاريخ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 (© وكالة الصحافة الفرنسية، جيجي)، وموجة هوكوساي في ليغولاند في الدنمارك بتاريخ 28 ديسمبر/ كانون الأول 2022 (© رويترز). الصورة من تجميع Nippon.com).

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | التحفة الفنية التي اجتاحت العالم: أسرار «الموجة العظيمة» وعلاقتها بالعملة اليابانية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :