اليابان | بين الألم والإعلام: كيف يعرض فيلم ”المفقودة“ مأساة اختفاء فتاة وسط قسوة الصحافة

في أحدث أعماله السينمائية، يكشف المخرج يوشيدا كيسوكي عن فيلمه الجديد ”Missing“ (المفقودة)، حيث تتألق النجمة إيشيهارا ساتومي في دور مؤثر لأم تُدعى ”ساوري“، تخوض رحلة يائسة للبحث عن ابنتها الصغيرة المخطوفة. تتعرض ”ساوري“ في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر لتحديات جسيمة، بدءًا من الاتهامات الباطلة التي تُوجه إليها عبر الإنترنت ووسائل الإعلام، إلى الاستغلال الإعلامي لقضيتها بغية الحصول على مشاهدات وجذب القراء. يجسد فيلم ”Missing“ مزيجًا مثيرًا من التوتر والتحدي، مما يبقي المشاهدين على حافة مقاعدهم في تجربة سينمائية مليئة بالإثارة والعواطف العميقة.

سحابة من الشك

ماذا يحدث عندما تدفع المأساة المرء إلى الهاوية؟ وكيف يتحمل ملاحقة إعلام متعطش للفضائح دون هوادة؟ وكيف يواجه أحكامًا لا ترحم تُطلق عليه عبر الإنترنت؟ يغوص المخرج يوشيدا كيسوكي في دهاليز المجتمع المعاصر المظلمة والمجحفة، من خلال دراما إنسانية مؤثرة بعنوان ”المفقودة“ لعام 2024.

تبدأ أحداث القصة بمرور ثلاثة أشهر على اختطاف مياو، الطفلة البالغة من العمر ست سنوات. تستمر الأم ساوري ”إيشيهارا ساتومي“ والأب يوتاكا ”أوكي مونيتاكا“ في البحث عنها، رغم ما وصلا إليه من درجات يأس قصوى. الشرطة فشلت في العثور على أي أدلة تعطي أملًا بالعثور عليها، ما دفع الزوجين إلى اللجوء إلى المراسل التلفزيوني سونادا ”ناكامورا تومويا“، الذي لم تساعد نداءاته للمشاهدين أيضًا في العثور على أي خيط يساعد في فك هذا اللغز.


الأم ساوري ”إيشيهارا ساتومي“ والأب يوتاكا ”أوكي مونيتاكا“ واقفان عند المحطة على أمل أن يقدم أحد المارة دليلا يساعد في البحث على ابنتيهما. (© أبطال فيلم المفقودة 2024)

يثير فيلم ”المفقودة“ زوبعة كبيرة من التوتر والشكوك والاتهامات التي تمزق العائلة بأكملها. يتحول الأخ الأصغر لساوري إلى محل شك، كونه كان آخر شخص شوهد برفقة أخته قبل اختفائها. تضارب روايته وتناقض تصريحاته سببا موجة من الإدانة الشعبية له. ولم يقتصر المأزق الذي وضعت فيه هذه العائلة على الأخ الأصغر فقط، بل طال والدته أيضًا دون رحمة، إذ أصبحت محل محاكمات شعبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت. تم التشكيك في أمومتها بسبب حضورها لحفل موسيقي ليلة اختفاء ابنتها، مما ضخم مشاعر الذنب وجلد الذات لديها. كما أثرت هذه الأحداث سلبًا على علاقتها الهشة بالأساس بزوجها الهادئ، وزادت من مأساة العائلة المفجوعة في اختفاء ابنتها.

يلعب عنصر آخر دورًا مهمًا في أحداث قصة الاختفاء، حيث يواصل سونادا تغطية هذه القضية بدافع نبيل وعلى أمل المساعدة في كشف أي خيط جديد يقود إلى عودة الطفلة. لكن مع تراجع اهتمام الجمهور بالقصة، يجد سونادا نفسه تحت ضغط من كبار المسؤولين في المحطة التلفزيونية، حيث يطالبونه بإضفاء طابع الإثارة على تقاريره الإخبارية للحفاظ على نسبة المشاهدة عالية. يضع هذا الضغط سونادا في مأزق وصراع أخلاقي صعب، بين الانصياع إلى ضميره ومبادئه الصحفية أو الاستسلام للضغوط التي قد تتسبب في خسارة وظيفته.

سونادا ”ناكامورا تومويا“ وطاقمه في لحظة ضياع بسبب تلاشي الخيوط الرابطة بين الحقيقة والإثارة الإعلامية. (© أبطال فيلم المفقودة 2024)

زوبعة من المشاعر

يشد فيلم ”المفقودة“ المشاهدين منذ أحداثه الأولى إلى عالم مليء بالإثارة والألم، ويتحكم في تعطشهم لمعرفة نهاية القصة. يكشف المخرج يوشيدا كيسوكي النقاب عن معاناة أسرة على حافة الانهيار، كما يصور الصراع الأخلاقي الذي يواجهه المراسل سونادا. يقدم لنا لوحة مؤثرة تعري تناقضات مجتمع يلهث وراء الإثارة على حساب الحقيقة. الفيلم مشحون بالمشاعر الجياشة ويحاكي في بعض مشاهده الأفلام الوثائقية الحقيقية.

تقدم ساتومي إيشيهارا أداءً مذهلًا في دور ساوري، الأم المفجوعة التي لا تكل عن التمسك بأمل العثور على ابنتها رغم اليأس المتنامي الذي يسيطر عليها. تنعكس الحالة النفسية السيئة لساوري على كل جانب من جوانب سلوكها، بدءًا من عدم ثقتها بالآخرين وصولًا إلى نوبات البكاء التي تعصف بها وتتسبب لها بانهيارات عصبية. فقد استنزفت هذه المحنة ساوري جسديًا وعقليًا، فتجدها تارة غاضبة وثائرة على زوجها وأخيها، وتارة أخرى تدخل في صراع ودائرة لوم وجلد للذات بشكل قاسٍ.


ساوري في لحظات انهيار عصبي، حيث تصب جام غضبها على أخيها كيغو. (© أبطال فيلم المفقودة 2024)

قد يتساءل المشاهدون إلى أي مدى ستكون الممثلة ساتومي إيشيهارا مستعدة لتجسيد دورها في فيلم ”المفقودة“، خاصةً وأن الدور يبتعد كثيرًا عن الصورة النمطية التي عرفها بها الجمهور. تظهر إيشيهارا في هذا الفيلم مدى قدرتها التمثيلية المذهلة، إذ تتجاوز التوقعات المعتادة لأداء دور أم مفجوعة، فتقدم لنا شخصية أكثر تعقيدًا تعكس الواقع الإنساني بأبعاده المختلفة وتغوص ببراعة في أعماق النفس البشرية.

من الطبيعي والمعتاد التعاطف مع وضع الأم المفجوعة التي تبحث عن ابنتها المفقودة، إلا أن المخرج يوشيدا يتجنب في فيلمه الانزلاق إلى فخ الميلودراما المفرطة من خلال التركيز على تقديم مشاهد تهدف إلى إثارة الشفقة فقط. بل يذهب يوشيدا إلى تقديم شخصية متعددة الأوجه للأم ساوري، إذ نرى جانبها الحنون اليائس الذي يدفعها للبحث المستميت عن ابنتها، لكننا نرى أيضًا جانبًا عدوانيًا يثير التساؤلات حول ما إذا كانت هذه التصرفات ناتجة عن الضغوط النفسية التي تواجهها أم مكلومة أم أنها جزء من شخصيتها الحقيقية.


يسعى الأب يوتاكا جاهدًا للحفاظ على هدوئه في خضم هذه المحنة الأليمة. لكن رغم جهوده، لا يستطيع كبح جماح حزنه الذي يثور وينفجر على السطح بين الفينة والأخرى (© أبطال فيلم المفقودة 2024)

لا تقتصر المعاناة النفسية في فيلم ”المفقودة“ على أفراد العائلة المكلومة فقط، بل تطال المراسل الصحفي سونادا أيضًا. إذ نراه يكلف نفسه مسؤولية كبيرة ويشعر بالتزام عميق بمساعدة ساوري في إيجاد ابنتها المفقودة. ولكنه، على عكس نوبات غضبها وانفعالاتها، يعمل جاهدًا على كبت مشاعره وإخفائها، ويحاول بكل الطرق الحفاظ على هدوئه الخارجي، رغم الصراع النفسي الذي ينهشه في صمت.


سونادا يصارع للحفاظ على هدوئه رغم تزايد الضغوط التي يتعرض لها. (© أبطال فيلم المفقودة 2024)

صورة المجتمع القاتمة

في الحقيقة، لا يقدم فيلم ”المفقودة“ مجرد قصة اختطاف تضاف إلى سلسلة الأخبار اليومية والأحداث المتكررة. حيث قرر المخرج يوشيدا كيسوكي عدم استغلال قضية اختفاء الطفلة لتقديم تحليل عام عن جرائم العصر الحديث. وبدلاً من ذلك، حاول الغوص عميقًا في المشهد العاطفي الذي يعيشه الآباء الذين فقدوا أغلى ما يملكون، مما نتج عنه عرض واقعي مؤلم يعكس بصدق معاناة الشخصيات وما يحيط بها.

في رحلة البحث المضنية عن أي خيط يوصلها إلى ابنتها المفقودة، تخوض ساوري رحلة بحث يائسة على شبكة الإنترنت، على أمل أن تعثر على أي خيط يقودها إلى طفلتها. تتصفح المواقع المختلفة وتراقب عن كثب المنشورات المسيئة التي تستهدفها، وفي الوقت نفسه تتعلق بأي رسالة مجهولة المصدر مهما بدت غير واقعية.

في البداية، تُبدي ساوري امتنانها للمساعدة التي يقدمها المراسل سونادا، لكنّ مشاعرها سرعان ما تنقلب إلى غضبٍ عارمٍ تجاهه. فبينما تُعاني هي من ألمٍ لا يُوصف، تتحول قصتها ومعاناتها إلى مادة للنقاش الساخن سرعان ما يخفت وهجه وينسى. وللأسف، لا تتوقف المأساة عند هذا الحد، بل يُسارع رؤساء سونادا في القناة التلفزيونية إلى استغلال معاناتها، ويمارسون ضغوطًا هائلةً عليه لتضخيم القضية واستغلال مأساة ساوري لجذب المزيد من المشاهدين.


سونادا بين مطرقة ضميره وسندان الإثارة الإعلامية المتعطشة للفضائح، في حوار مع رئيس التحرير ميغورو ”كوماتسو كازوشيغ (© أبطال فيلم المفقودة 2024)

يحاول سونادا جاهدًا مقاومة الضغوط التي تُمارس عليه لتضخيم قضية اختطاف الطفلة وتحويل معاناة إنسانية إلى مادة دسمة لزيادة عدد المشاهدين. في ذات الوقت، يدرك بعمق مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على صنع أو تدمير المسيرة المهنية لأي صحفي من خلال معدلات المشاهدات وردود الأفعال التي تُولّدها. هذا المزيج الملتبس بين الرغبة في تحقيق الإثارة وواجب نقل الحقيقة يُشوّه جوهر الصحافة ويطمس الحدود الفاصلة بينهما، مما يضع الصحفي الواعي أمام معضلة أخلاقية صعبة.

ولا يكتفي فيلم ”المفقودة“ بسرد قصة اختفاء فتاة صغيرة، بل يتجاوز ذلك ليقدم لوحة بشرية معقدة من خلال تسليط الضوء على ردود أفعال متنوعة تجاه هذه المأساة. هذه الردود تتنوع وتتسع مع تصاعد الأحداث وتدخل وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي. بمرور الوقت، يرسم الفيلم صورة بانورامية للمجتمع المعاصر بكل تعقيداته وتناقضاته. فمن جهة، نرى أفرادًا يتفننون في توجيه النقد والتشكيك بطريقة جارحة، ومن جهة أخرى، نلمح ومضات من التعاطف والتضامن تظهر بين الفينة والأخرى.

ومع تصاعد الأحداث، نجد ساوري، الأم المفجوعة، ومن حولها، يتآكلون تدريجيًا تحت وطأة الضغوط النفسية والاجتماعية الهائلة. فالعاصفة الإعلامية وموجة التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تستنزف قوى الجميع شيئًا فشيئًا.


غرق العائلة في دوامة اليأس والتعب الروحي. (© بطال فيلم المفقودة 2024)

رغم قسوة الكثير من المشاهد التي سيطرت على أحداث مأساة الفقد، إلا أن الفيلم لم يركز بشكل أساسي على إثارة تعاطف المشاهدين أو استجداء شفقتهم. خلف قسوة يوشيدا الظاهرة وواقعيته الصارمة، يوجد لطف خفي يتخلل أحداث الفيلم. إذ بمجرد متابعة كفاح ساوري منذ المشهد الأول، نجد أنفسنا منجرفين إلى عالم معاناتها، فنشاركها ألمها وفقدها حتى نهاية الفيلم المؤثرة والقوية في آن واحد.


(© أبطال فيلم المفقودة 2024)

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان © أبطال فيلم المفقودة 2024)


(© أبطال فيلم المفقودة 2024)

المفقودة 2024

  • إخراج يوشيدا كيسوكي
  • الموقع: missing-movie.jp (باللغة اليابانية)

الإعلان الرسمي للفيلم (باللغة اليابانية)

كانت هذه تفاصيل خبر اليابان | بين الألم والإعلام: كيف يعرض فيلم ”المفقودة“ مأساة اختفاء فتاة وسط قسوة الصحافة لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على نيبون وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :