دون شك أن التطور التقني والتكنولوجي الذي يشهده العالم لا مثيل له، وهو يتنامى ويتطور، وثورة الاتصالات التي قادتها شبكة الإنترنت، قدّمت منتجات وتطبيقات أحدثت قفزات معرفية ومعلوماتية وثقافية غير مسبوقة، وتنامياً للعلم وانتشاره وعموميته. لعل واحداً من أهم مخرجات هذا التطور المهول غير المسبوق، ما يعرف بالذكاء الاصطناعي الذي بات له تأثير بالغ وكبير، في مختلف المجالات والقطاعات التي تهمّ الإنسان، ومن تلك المجالات مجال العمل والوظيفة، حيث سبّب الذكاء الاصطناعي تغييرات وتحولات في سوق العمل، فقد تمكن مع أنه في مراحله الأولى من إلغاء العديد من الوظائف، وهو يتطور بشكل متزايد، ومعها يحتل المزيد من المكانة في سوق العمل، ويتوسع بشكل واضح وملموس.

ومع أن الذكاء الاصطناعي ساهم في ظهور وظائف جديدة، مثل تحليل البيانات، وتطوير البرمجيات، والبرمجة، وصيانة الروبوتات، والتعليم الآلي… إلخ، إلا أن هذه المجالات ونحوها نوعية تتطلب تعليماً متخصصاً، وأيضاً مهارات ذهنية وقدرات وموهبة واستعداداً، وقد لا تتوفر جميعها في الموظفين العاملين حالياً، أو في الموظفين الذين يتم إلغاء وظائفهم الآن.

تلك الوظائف للأجيال القادمة كما هو واضح، الأجيال التي يتم تعليمها لاستهداف هذه المخرجات، وملامح مثل هذا التوجه نراه اليوم، لكن العاملين حالياً الذين يعملون في وظائف إدارية اعتيادية، ووظائف حرفية، مهددون بإلغاء وظائفهم، وإحلال تقنيات الذكاء الاصطناعي مكانهم.

ومثل هذه التهديدات قريبة، والحديث عن عقد واحد أو أقل من الزمن، بل إن المنتدى الاقتصادي العالمي يقول في تقرير حمل عنوان «مستقبل الوظائف 2020»: «إنه بحلول عام 2025 سيتم استبدال 85 مليون وظيفة في مختلف أرجاء العالم». وأهم الوظائف التي ألغيت أو في الطريق نحو الإلغاء، السنترال، والوظائف متكررة المهام، مثل إدخال البيانات، والوظائف المعتمدة على بيانات محددة، مثل إعداد الضرائب، ووظائف التسويق، وخدمة العملاء، ولا ننسى الترجمة، وصرافي البنوك… وغيرها الكثير.

وكما ذكرنا، فإن هذا الإلغاء يظهر تبعاً له وظائف جديدة، لكنها نوعية ولها متطلبات مختلفة تماماً عن تلك الوظائف التي ألغيت، بمعنى أن الموظف الذي فقد وظيفته بسبب الذكاء الاصطناعي، قد لا يستطيع العمل في الوظائف التي ظهرت الحاجة لها. لكن الرهان على الأجيال القادمة التي تعلمت بشكل يستهدف هذا التطور المعلوماتي والتقني. أما الموظفون الحاليون، فإن عليهم أولاً تطوير معارفهم وقدراتهم، والتفكير في جوانب جديدة من العمل، مثل الاستثمار، والاعتماد على موارد تعتمد على العمل التجاري، عليهم من الآن البدء في البحث عن حلول.

شيماء المرزوقي – صحيفة الخليج