نعي الناعي اليوم أخي العزيز والحبيب إلي قلبي الأخ عمار عبد العاطي .. عمار أسلم الروح إلي باريها وغادر الدنيا اليوم مبكياً علي شبابه ..

• تسمّرت في مكاني والأخ الودود توفيق جعفر ينقل لي خبر وفاة عمار .. لفّني الحزن عميقاً وصحوت علي نداء التسليم بأقدار الله التي لا تتأخر ..

• إنه الموت .. يأخذ في طريقه الأخيار .. إنها سنة ُ الله في خلقه .. ماكان لنفس ٍ أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً .. وهي نهشة الموت التي لاتتأخر ولا تتخلف سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ..

• سبحان الله .. مات عمار ؟! .. نعم مات عمار وهو لايزال في زهرة الشباب وربيع العمر .. مات عمار وهو الممتلئ صحة ً وعنفواناً وتوثباً وشباباً وأحلاماً وطموح ..

• مات عمار وهويسارع الأيام كأنما كان يعلم أنه وعمره القصير في سباق .. كان عمار كثيراً ما يُشعِر القريبين منه أنّ العمر بعِداد المشاعر لابعداد الأيام والسنوات .. كنت أجد هذا الإحساس الصادق بالقرب منه .. طيلة سنوات وأيام معرفتي به لم أجد منه غير جميل الكلام والسلام .. كان رحمه الله ودوداً معي وقريباً إلي نفسي ..

• لن أنسي حفاوته ونداوة استقباله لي يوم جئت القضارف نازحاً .. أكرمني غاية الكرم وطوّف بي في رحلة صوفية عميقة عن التسليم بقضاء الله وقدره .. ولمّا أذنت شمس ذلك اليوم بالمغيب ناداني : يلا يا أستاذ .. سألته : وين ؟ .. حتمشي معاي البيت .. جهزت ليك ( منيم) مريح !! .. ضحكنا من القلب .. قلت له : سبقك إليها خالد كاربينو .. خلاص يا أستاذ .. بيت خالد كاربينو ياهو بيتنا .. افترقنا ذلك المساء .. ومن بعد كنت ألتقيه يوماً بعد يوم في زحمة قلب القضارف وما إن نلتقي حتي يأخذ بيدي : نمشي نشرب قهوة ونتونس شوية .. كان عمار من الأحبة الذين ينتقون أطايب الكلام وهو من قِلّة في جيله ممن يتوفر لهم مُكوّن معرفي عميق وقدرة مدهشة في التطواف علي محطات الراهن بكل ألوان طيفه فهو ممن ينطبق عليهم التوصيف العملي للمثقف أنه شخص يعرف شيئاً من كل شيئ ..

• وعمار الذي مات اليوم يمثل نموذجاً شاخصاً لعدد كبير من أبناء جيله الذين مزّقهم الحزن علي ضياع مشروع الحركة الإسلامية الفكري والسياسي والإجتماعي فشاخوا قبل الأوان ووقفوا حائرين في المسافة بين أشواقهم وضروراتهم ..

• عمار عبد العاطي الذي غادر الدنيا اليوم لم يتوقف عند محطات اليأس .. كان نسيج وحده .. حزم أمره ومضي إلي الأمام حصل علي درجة الدكتوراة في العلوم السياسية عن أطروحته العلاقات الدولية وتأثيرها علي الأمن القومي بمنطقة القرن الأفريقي .. وعندما إلتقينا في ولاية القضارف حيث مولده ومرتع صباه وطفولته وجامعة نضجه الفكري والتنظيمي ، عندما إلتقينا حدثني طويلاً عن طموحاته الأخري في أكثر من مجال والشاهد أنه أصاب نجاحاً وتوفيقاً برغم الحزن الدفين الذي تلمحه في عينيه ..

• حدثني عمار كثيراً عن تاريخ ولاية القضارف وكيف تصاهرت وأمتزجت فيها القوميات والإثنيات من كل بقاع السودان .. يحدثك عمار حديث العارف المدرك لطبيعة وظروف وأثر هجرة جدوده إلي وسط السودان عامة وولاية القضارف خاصة .. وعمار عبد العاطي هو أحد أحفاد المك نمر ..

• مات عمار اليوم ولحق بعددٍ من إخوانه الذين ماتوا وهم في عز الشباب وفي مقدمتهم الراحل العزيز خالد أبوسن ..

• مات عمار اليوم ولم نجد وقتاً لنتبادل معه أطراف الحديث عن سير العمليات العسكرية التي بدأت صباح اليوم .. افتقدته منذ أيام ولم أكن أعلم أنه يغالب آلام المرض وتغالبه لحظات الأجل الأخيرة وكانت ساعات مرضه الأخيرة تحكي عن ظلال قول الشاعر : إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ ..

• اليوم ودعّت القضارف عامة وأهل حي كرفس خاصة ابنهم الشاب الصبوح عمار عبد العاطي .. حزن الجميع علي فراقه ومما يخفف ألم الفقد ولوعة الفراق أن الشيخ الفقيه عثمان عبدالرحمن الأزرق والذي حبسه عذر المرض زماناً عن شهود الجنائز والصلاة عليها قد تحامل علي آلام البدن وتقدّم المشيعين وصلّي علي جنازة الأخ الحبيب عمار عبد العاطي الذي دُفن في مقابر الصوفي الأزرق حيث ثوي عدد من أجداده والصالحين من أهله الذين سبقوه إلي دار البقاء ..

• رحم الله أخي عمار عبد العاطي .. هي الدنيا أخي الحبيب .. لك الرحمة .. أسأل الله أن يربط علي قلب والدتك الصبورة معتوقة بت المكابرابي فقد كان عمار ولدها الوحيد .. كان عمار ( وحيد أمه ) فهو عينها التي تُبصر بها ورجلها التي تمشي بها وأذنها الذي تسمع بها .. كان عمار سويداء قلبها ومِشاش عظمها و(عُكازها) في وجه الزمان الشين ..

• رحمك الله أخي عمار .. والله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن .. وإنا علي فراقك لمحزونون .. لكننا لن نقول إلا مايُرضي الله ..

• رحمةٌ من الله ورضوان عليك أخي عمار .. ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ..