"قطعه أشلاء ورماه في البلاعة".. أسرار مثيرة في جريمة رجل الأعمال الخليجي التي هزت مصر

محمد اسماعيل - القاهرة - كتب - محمد شعبان:

أشلاء داخل أكياس قمامة سوداء استقرت داخل بالوعة صرف فيلا بأحد المنتجعات السكنية بمدينة السادس من أكتوبر ظن معها الجاني أن فعلتهع ستظل طي الكتمان وراح يتنعم بغنيمة جريمته حتى تكشف المستور، ثوان معدودة لقطتها عدسات كاميرات المراقبة أزاحت الستار عن المسكوت عنه.
الحكاية بدأت قبل 6 سنوات، رجل أعمال خليجي يدعى "عبد الله.ا." شاهد إعلانا لكمبوند يسوق مسؤولوه لوحدات سكنية فاخرة بأسعار في متناول الأثرياء لا الفقراء ومحدودي الدخل. المستثمر الصغير وقتها كان في منتصف الثلاثينات يشق طريقه في عالم ريادة الأعمال بحثًا عن توسيع نشاطه خارج دولته العربية.
مقدمات ومعطيات دفعته لاتخاذ قرار الاستقرار في "أم الدنيا" ليشرب من نيليها الصافي ويتمتع بأجواء صُنعت في مصر فقط. ومع مكوثه في فيلا قريب من صحراء أكتوبر الشاسعة بحث عن حارس يؤدي أدوار مركبة أولها وأهمها التأمين إضافة إلى إنجاز بعض متطلباته في بلده الثاني، أعد له الاختبار تلو الآخر فأثبت أمانته ونزاهة يديه فوضع فيه ثقته حتى أنه كان يمنحه كروت الائتمان الخاصة به لسحب ما يردي من المال دون أن يدري بخلده ولو برهة بما تخبأه الأيام.

التاسع من سبتمبر الجاري اختفى الثري العربي عن الأنظار، انقطعت أخباره وراود الشك أسرته والمقربين منه، حاولوا الوصول له بشتى الطرق بعد عدم إيجاده بمسكنه هاتفه مغلق فطرقوا باب السفارة التي حررت بدورها محضرًا بقسم الشرطة وتبدأ من هنا رحلة البحث عن رجل الأعمال الغائب في ظروف غامضة.

أسبوعان لم تتوقف فيها جهود البحث، ورغم تعقد الأمور إلا أن يقين اللواء هاني شعراوي مدير المباحث الجنائية بالجيزة وحسه الأمني يحدثاه بأن هدفهم تعرض لمكروه أو بالأحرى قٌتل وأن الجاني من الدائرة المحيطة به لاسيما عدم وجود بعثرة في محتويات الفيلا وعدم وجود آثار عنف بمداخلها ومخارجها ليوجه بتكثيف التحريات وفحص المترددين على الفيلا والعاملين فيها سواء السابقين أو الحاليين مع عدم استبعاد فرضية علاقات نسائية مشبوهبة.

فريق البحث لجأ إلى التكنولوجيا كعامل مساعد، تتبع الضباط سجل مكالمات رجل الأعمال المتغيب ومطابقتها بأقرب برج إشارة فجاءت المفاجأة الكبرى أن صاحب الـ41 سنة لم يغادر الفيلا لتزداد القضية غموضًا. داخل الطابق الأهم بالإدارة العامة لمباحث الجيزة بمقرها الجديد جلس اللواء محمد الشرقاوي يفند أوراق القضية، يراجع نقاط التقرير القابع على مكتبه ليسأل رئيس مباحث قطاع أكتوبر "الكاميرات في المنطقة ماجبتش حاجة" ليمنح ضباطه طرف خيط مهم في رحلة البحث عن الحقيقة.

إدارة المساعدات الفنية وضباط مباحث قسمي أول وثان أكتوبر تتبعوا شبكة المراقبة بالمنطقة المحيطة بسكن الرجل الخليجي لكن دون جديد، ازدادت القضية تعقيدًا لكن معاون مباحث بدرجة رائد واصل العمل حتى وقت مبكر من الصباح فجاءت المكافأة الإلهية حتى أنه كاد يجن ويفقد عقله أمسك بهاتفه واتصل برئيسه "يا فندم لقيت التايهة.. الراجل اتقتل".

الضابط التقط بهاتفه ثوان معدودة من تفريغ كاميرا مراقبة رصدت حارس فيلا رجل الأعمال يشتري أكياس قمامة بلاتسيكية من محل قريب وبعدها توجه إلى ماكينة صراف آلي بمراجعة البنك تبين سحبه مبلغًا ماليًا ضخمًا ببطاقة ائتمانية تخص المجني عليه ليتحول الحارس غير الأمين للمشتبه الأول والرئيس بالوقوف وراء اختفاء الرجل الخليجي لتنطلق مأمورية مستهدفة مسقط رأسه لتبدأ أهم فصول القصة داخل منشأة أمنية تابعة لمديرية أمن الجيزة.

ساعات طويلة تقمص فيها الحارس دور يوسف بك وهبي كما لو أنه ولد ممثلا قديرًا على خشبة المسرح أو أمام الكاميرات، راوغ رجال المباحث مرات وماطل أكثر نافيًا تورطه في اختفاء سيده وولي نعمته حتى منحه قائد فريق البحث "القاضية" وعرض أمامه لحظة شراءه الأكياس وسحب المبالغ لتنتهي المسرحية باعتراف طال انتظاره "ايوا يا بيه.. قتلته ورميته في البلاعة".

تنفس رجال المباحث الصعداء، استمعوا إلى شرح تفصيلي لجريمة معقدة بالكاد تم فك طلاسمها بعد مرور 14 يومًا من البحث والتقصي. يوم الجريمة دلف الحارس إلى داخل الفيلا، أبصرت عيناه الضحية في حالة عدم اتزان "كان بيطوح ورجله مش شايلاه" فوسوس له الشيطان بأن اللحظة سانحة للإجهاز عليه وسرقة ثروته. عاجله بماسورة حديدية على رأسه فهشمها حتى طرحه أرضًا جثة هامدة، أخرج سيجارة من علبة اشتراها للتو وأشعل واحدة بجوار الجثمان للتفكير في طريقة للتخلص من الجثمان واستقر في النهاية على تقطيع الجثة إلى أشلاء بسكين غليظة.

بعد عناء التقطيع، أخذ الجاني قسطًا من الراحة وأحضر أكياس قمامة سوداء من إحدى المحال وضع فيها الأجزاء وصولا إلى المرحلة الأخيرة بالتخلص من الأكياس ببالوعة صرف مشتركة مع الفيلا المجاورة. بعد انتهاء التحقيق اصطحبت مأمورية المتهم إلى مسرح جريمته لإجراء المعاينة التمثيلية في حضور محقق النيابة العامة والطب الشرعي ومن بعدها إخطار السفارة والجهات المختصة لتسدل الأجهزة الأمنية الستار على واحدة من أبشع الجرائم محركها الأول الطمع والرغبة في الثراء الفاحش دون تكبد عناء العمل الحلال.

أخبار متعلقة :