الفلسطينيون يدفعون رشاوى لسماسرة لمساعدتهم على مغادرة غزة

المنامة - ياسر ابراهيم - الفلسطينيون يدفعون رشاوى لسماسرة لمساعدتهم على مغادرة غزة

الاربعاء, 10 يناير, 2024 - 06:09 مساءً

[ تمكّن عدد قليل جداً من الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي (الفرنسية) ]

كشف تحقيق لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية نُشر الاثنين، عن أن الفلسطينيين اليائسين لمغادرة قطاع غزة يدفعون رشاوى لسماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار، لمساعدتهم على مغادرة القطاع عبر مصر.
 
وتمكّن عدد قليل جداً من الفلسطينيين من مغادرة قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، لكنّ أولئك الذين يحاولون إدراج أسمائهم على قائمة الأشخاص المسموح لهم بالخروج يومياً يقولون إنه يُطلب منهم دفع "رسوم تنسيق" كبيرة من قبل شبكة من السماسرة والمرافقين على صلات مزعومة بأجهزة الاستخبارات المصرية.
 
ووفق الصحيفة، يقول فلسطيني في الولايات المتحدة إنه دفع 9 آلاف دولار قبل ثلاثة أسابيع لوضع أسماء زوجته وأولاده على اللائحة، مشيراً إلى أنه في اليوم الذي كان محدداً للسفر تمّ إبلاغه بأن أسماء أولاده غير مدرجة، وأنه سيتعيّن عليه دفع 3 آلاف دولار إضافية. ويضيف أن السماسرة يحاولون المتاجرة بدماء الغزيين.
 
ويتابع الرجل الذي لم تغادر عائلته غزة: "إنه أمر محبط ومحزن للغاية"، "هم يحاولون استغلال الأشخاص الذين يعانون، والذين يحاولون الخروج من الجحيم في غزة".
 
رشاوى بآلاف الدولارات
 
ومنذ سنوات، تعمل شبكة من السماسرة حول حدود رفح على مساعدة الفلسطينيين على مغادرة غزة، لكنّ الأسعار ارتفعت منذ بداية الحرب من 500 دولار مقابل الفرد الواحد، لتصل إلى ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار.
 
ويؤكد العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم الصحيفة البريطانية أنه تمّ إبلاغهم بأنه عليهم أن يدفعوا ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار للفرد الواحد لمغادرة القطاع، مع إطلاق بعضهم حملات تمويل جماعي لجمع الأموال، في وقت قيل لآخرين إن بإمكانهم المغادرة بشكل أسرع إذا دفعوا أكثر.
 
ووفق الصحيفة، فإنّ جميع من أجريت معهم مقابلات قالوا إنهم تواصلوا مع وسطاء من خلال معارف في غزة، وأن الدفع يتمّ نقداً، وأحياناً من خلال وسطاء يقيمون في أوروبا والولايات المتحدة.
 
وفي السياق، يؤكد بلال بارود، وهو مواطن أميركي من غزة، أنه تمّ إبلاغه بأن عليه أن يجمع 85 ألف دولار لإخراج 11 فرداً من عائلته من القطاع، بينهم 5 أطفال تحت سنّ الثالثة.
 
ويضيف بارود الذي أمضى الأشهر الثلاثة الماضية في مناشدة فريق العمل التابع لوزارة الخارجية الأميركية لوضع والده المصاب بالسكري على قائمة المسموح لهم بالخروج: "أنا أفكر فقط في هذا الخيار، لأن حكومة الولايات المتحدة لا تستجيب لي"، مؤكداً أنه لو كان لديه أي أمل بإمكانية حصول هذا الأمر لما لجأ لهذا الخيار. ويقول: "أنا في هذا الموقف لأن الولايات المتحدة لا تريد مساعدة مواطنيها".
 
يذكر أن والد بارود كان من ضمن مجموعة الرجال الذين قام الاحتلال الإسرائيلي باعتقالهم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتجريدهم من ملابسهم، وتقييدهم، ونقلهم إلى مكان سري.
 
ويتابع بارود: "منذ منتصف ديسمبر لم أتلقَ أي بريد إلكتروني منهم، وقمت بالمتابعة معهم ستّ مرات. لا يمكن التواصل معهم إلا عبر البريد الإلكتروني"، لافتاً إلى أنه يرى في المقابل أشخاصاً يدفعون المال للمغادرة، وينجحون في الأمر في غضون يوم أو يومين.
 
في السياق، قالت وزارة الخارجية إنها غير قادرة على التعليق على الحالات الفردية، وأكد متحدث باسمها أنها ليست على علم بنظام السمسرة الذي يستخدمه البعض للخروج من غزة. وأضاف: "لقد ساعدنا أكثر من 1300 مواطن أميركي ومقيم دائم قانوني في الولايات المتحدة وأفراد أسرهم على مغادرة غزة".
 
فساد دولة
 
إلى ذلك، يوضح الخبير في شبه جزيرة سيناء ومؤلف كتاب "سيناء: عماد مصر، حياة غزة، كابوس إسرائيل" مهند صبري، أن السماسرة يستهدفون الأشخاص الأكثر ضعفاً. ويقول: "إذا كان أحد أفراد الأسرة مصاباً أو مريضاً ولا يمكنه الانتظار، فهؤلاء يمثلون الضحايا المثاليين. يمكنهم طلب أي مبلغ وعلى الأسرة أن تُحضر المال".
 
وفي هذا الشأن، يصف صبري مبررات السلطات المصرية العلنية لعدم فتح الحدود بأنها "غطاء للفساد الحاصل على الأرض"، معتبراً أن هذا ليس فساداً على مستوى صغير، بل هو فساد تدعمه الدولة.
 
وذكرت "ذا غارديان" أن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر رفض التعليق عند التواصل معه.
 
ومع وجود طرق قليلة لمغادرة غزة، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين لا يحملون جنسية دولة أخرى، يقول الفلسطينيون في القطاع وأقاربهم في الخارج إنه ليس لديهم خيار سوى وضع ثقتهم بشبكة الوسطاء.
 
من جهته، يقول فلسطيني خسر أفراداً من عائلته في غارات إسرائيلية، ويقيم في المملكة المتحدة، "الناس يكسبون المال من بؤس الآخرين. إنهم يائسون للخروج للنجاة بحياتهم، وبدلاً من المساعدة، يحاولون كسب المال"، ويسأل: "إذا كانت هناك طريقة لإخراج الناس، فلماذا لا نساعدهم فقط؟".
 
ويؤكد الرجل إنه قيل لهم في أوائل ديسمبر إن مساعدة كلّ فرد من أفراد الأسرة الشباب التسعة الذكور على المغادرة ستكلّف 4 آلاف دولار، في وقت أصبح السعر الآن بين 6 آلاف و10 آلاف دولار.
 
وذكرت "ذا غارديان" أن العائلة لجأت إلى السماسرة بعدما فشلت في الحصول على مساعدة من الحكومة البريطانية أو المنظمات الإنسانية. ويقول الفلسطيني: "لست متأكداً من سبب عدم تقديم أي خطط أو أي أمر لإجلاء الناس"، مشيراً إلى أنه لم يعد يسمع حتّى العاملين في المجال الإنساني يتحدثون عن الأمر، وكأنهم يقولون: "لن نحميكم أو نمنحكم الأمان. سنقدّم لكم بعض الطعام والماء بينما تتعرّضون للقصف".
 
في المقابل، ليس الجميع مستعداً للدفع، حتى لو كانت لديه الموارد. وهنا، يقول أحد الفلسطينيين في غزة، الذي كان يحاول الخروج مع عائلته، إن حياتهم وحياته مهدّدة في كلّ لحظة، لكنه لن يدفع فلساً واحداً للرشوة.
 

مشاركة الصفحة: