الثورة الرقمية العربية أم الثورات المصيرية القادمة ؟

بعد ما تأكد الجميع عربيا ودوليا من نجاعة النقل المباشر لمجازر غزة والدور المتميز الذي لعبته تكنولوجيا الاتصال لدى قناة الجزيرة بفروعها الخمسة وبلغاتها العديدة أدرك العرب والمسلمون أن تمكن قطر من الرقميات وطرق استعمالها تستدعي تسريع انخراط أمتنا في الثورة الرقمية العالمية وتسخيرها لخدمة مصالحنا.

وتعلمون أن تمكن دولة قطر من هذه التكنولوجيات عريق ويعود الى ثلث قرن حين شرعت الدولة بوعي في إنشاء ما سمي حينئذ ب (الإي غوفرنمنت). وهنا أستحضر للقراء الكرام بعض محطات تاريخنا العربي الحديث حيث تقول نكتة مصرية ظهرت بعد سنوات من انقلاب بعض ضباط الجيش على الملك فاروق ثم على مهندس الانقلاب محمد نجيب.. تقول النكتة بأن الرئيس عبد الناصر توفي سنة 1970 ربما بقهوة مسمومة وأن الرئيس السادات توفي برصاص قاتليه سنة 1981 وهو يستعرض وحدات من الجيش إحياء لذكرى العبور أما محمد حسني مبارك فراح ضحية الفيسبوك!

وهذه النكتة تؤشر على استفحال ظاهرة الإعلام الإلكتروني ومواقع الاتصال الاجتماعي لا في نقل الأحداث فحسب بل في صناعتها وتوجيه الرأي العام وبالتالي في التأسيس لمجتمعات مدنية جديدة مختلفة تماما عما عرفناه عبر التاريخ.

فقد ظهرت على سطح الأحداث الوطنية والعالمية حقيقة جديدة وهي العلاقة الجدلية بين المعلومة والحرية أي في الواقع بين الإعلام والسياسة وبين الأداة والهدف وبين السلطة والمجتمع المدني. كما توضحت معالم الفرق بين الشعوب المتقدمة الغنية والشعوب المتخلفة الفقيرة فيما أصبح يسمى بالفجوة الرقمية التي هي في الحقيقة فجوة حضارية تشير الى فوارق اقتصادية واجتماعية وتعليمية بيننا وبين شعوب تمكنت من السيطرة الثقافية على شعوبنا التي سموها (العالم الثالث) أو من باب الشفقة علينا أطلقوا علينا نعتا لطيفا هو (في طريق النمو).

وقد قيل الكثير على أعمدة الصحف وفي القنوات الفضائية حول هذا الموضوع وملابساته وخلفياته بما لا يدع للمحلل والمفكر أمرا جديدا يستحق التقييم والتعليق إلا أن ارتباط المعلومة بالحرية ظل ملتبسا لدى بعض النخب العربية التي لم تفهم إلى اليوم عمق التحولات الكبرى التي غيرت خارطة العالم وألغت المسافات ولقحت الأفكار ونقلت الثقافات وربطت بين الناس من أقاصي الأرض إلى أدانيها ووضعت أيدي البشر على الحقائق بواسطة سرعة سفر المعلومة والخبر والصورة والإنتاج العلمي والأشخاص.

وعندما صدر تقرير التنمية البشرية المستدامة في العالم العربي عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية وكشف عن أزمة عالمنا العربي وبؤسه في مجال تخزين وتناقل وتوظيف المعلومة أصبح من البديهي الحديث عن تخلف عربي تكنولوجي وإلكتروني ليس لدى البلدان العربية الأقل نموا والأكثر فقرا فحسب بل وأيضا لدى البلدان العربية الغنية مما يشير إلى أن الأزمة الرقمية أزمة ذات أبعاد سياسية وثقافية لا شك فيها وأن الأمر يتعلق بتعطل الانخراط في منظومة العولمة لا بنقص الإمكانات ولا بشح التمويل ولا بندرة الكفاءات فالسبب الأهم هو ضمور وضعف الإرادة السياسية في تغيير ما بالنفس حتى يغير الله ما بنا.

قال الله تعالى في سورة الرعد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فالمدرسة العربية بقيت عموما خارج ثورة التربية والتعليم التي تجتاح أوروبا والولايات المتحدة والصين والهند واليابان والبرازيل وماليزيا وكوريا

ولو استثنينا محاولات موفقة لتطوير قطاع التعليم كما هو جار بجهود صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر ضمن مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع لوجدنا أن مصنع الأجيال العربية لا يزال يعاني من التلقين ونقل التراث غثه أكثر من سمينه واستمرار تخريج الموظفين والرعايا أكثر من إعداد المبادرين والمواطنين وتحولت المدرسة إلى تكديس العاطلين لأنها أصيبت بنفس عقم المجتمع العربي التقليدي المتخبط في تراكمات الماضي والخائف من رياح العصر ولقاح المستقبل والمنطوي على الذات يجتر المجد الغابر.

ففي فنلندا اليوم لا يحمل الطلاب شنطة ثقيلة من الكتب والأوراق بل مجرد لوحة الكترونية! فهل ينفع اليوم أن يكتفي العرب وهم في ذيل قائمة الثورة المعلوماتية بتمثيل دور المتباكين على الفجوة الرقمية والحال أن قضية العرب ليست في الفجوة الرقمية بل في الفجوة الديمقراطية.

صحيح أن من حق الاتحاد الأوروبي أن يدعو لتخلي الولايات المتحدة عن احتكار (مايكروسوفت) لأنه على حق أما العالم العربي فما دخله في معركة داخلية بين غرب وغرب؟ ولا ناقة له ولا جمل في الفجوة الرقمية ما عدا توظيف هذه العبارة للاستهلاك الداخلي واستمرار الغش في التعامل مع حرية المواطن وحقه في الإعلام من خلال الوسائط الجديدة للاتصال التي هي وسائط جديدة لممارسة الحريات والحقوق ضمن ما يحدده قانون عادل.

ولا أتردد في الإشادة بإرادة قادة دولة قطر التي لم تحد من وسائل الاتصال الجماهيري ولم تحجب أي موقع ما عدا ما يضر منها بالأخلاق وما يخدش الحياء. لا شك في أن بعض الدول العربية حققت تقدما نوعيا في التأسيس لمجتمع المعرفة حسب تقرير المنظمة الأممية الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولكن هذه الجهود المشكورة يجب أن تسعى لتشكيل شبكة رقمية تؤثر تأثيرا فاعلا في تطوير مناهج الحكم الصالح بفضل تحاور الأفكار وتلاقح البرامج وضمان المشاركة الشعبية في سن الخيارات وتنفيذ السياسات لأن النهضة الرقمية ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة لتحقيق المجتمع الحر والمتمتع بكرامة بني آدم والمساهم في بناء الحضارة العالمية بقسطه وتراثه وإبداعه.

ولذلك رأينا في ندوات دولية مختصة مؤشرات سوء تفاهم ساطع بين بعض الأطراف العربية وبين أطراف أوروبية من حكومات ومنظمات غير حكومية في شأن مفاهيم التنمية الرقمية وحرية تبادل المعلومات واستعمال أدوات الاتصال الإلكتروني والدخول إلى عصر العولمة التي لا تعترف بالحدود الضيقة ولا بهيمنة الفكر الواحد ولا بقمع الفكر الحر.

إن الثورة الرقمية المرجوة من الأمة العربية ونحن نتوغل في القرن الحادي والعشرين هي بالضبط عكس الثورات المزيفة التي أنجزها العرب في القرن العشرين باسم شعارات براقة ومخادعة كالقوميات والماركسيات والهويات والبعثيات والجمهوريات والجماهيريات والتي انهارت على رؤوسنا جميعا مع ميلاد الوعي العربي بتحكيم العقل وما أدراك ما العقل ووعيه بكرامة بني آدم وما أدراك ما الكرامة التي أكدها الله سبحانه في محكم تنزيله فرأينا تلك الثورات تهوى كأوراق الخريف أمام واقع دولي متغير طرأ علينا ونحن غافلون!

د. أحمد القديدي – الشرق القطرية

كانت هذه تفاصيل خبر الثورة الرقمية العربية أم الثورات المصيرية القادمة ؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :