حبيبُ الشجرة

قرأتُ – وقد أنساني الشيطان أن أسجّل المرجع الذي قرأتُ فيه – أنّ أحد العلماء الأمريكيين قال ما معناه إنه ما أذهب الحضارة الإسلامية إلا إهمال المسلمين للمرأة والشجرة.

إذا كان هذا الأمريكيُّ قد أصاب جزءا من الحقيقة، فإنه لم يُصبها كلَّها، أو لم يُصب كبدَها، الذي أراه أكبر من إهمال المسلمين للمرأة والشجرة على أهميتهما، ولا أعني إلا ما اشتكاه نبيُّنا رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – وسجّله القرآنُ الكريم وهو “وقال الرسولُ يا ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا” سواء كان هذا الهجرُ جزئيّا أو كلّيًّا.

إنّ إهمال المسلمين للمرأة قد أصاب نصفهم بالشلل النصفي، إذ حرموها من أداء ما أوجبه الله – عزّ وجلّ – على الإنسان – ذكرا وأنثى – من طلب العلم، وبلغ إهمال أكثر المسلمين للمرأة أنهم إذا اضطرّوا إلى ذكر أزواجهم قالوا “حاشاك” أو “أكرمك الله”.. وهذا بعد ما قرأوا القرآن الكريم، وسنّة الرسول الرحيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وأمّا إهمالُ الشجرة فقد أصبحت مساحةُ العالم الإسلامي ذات الثلاثين مليون كيلومتر مربّع أكثرها صحراء قاحلة، ليس بسبب عدم غرس الأشجار، ولكن بسبب قلع أو حرق ما تنبته الرياح اللواقح. تواردت إلى ذهني هذه المعاني عندما قرأتُ أنّ عبدا صالحا من عباد الله في باتنة أطلق عليه الناسُ هناك اسم “حبيب الشجرة”، واسمه الحقيقي فؤاد، قد أصيب بوعكة صحّية، بسبب ما يبذله من جهود في غراسة الأشجار والعناية بها، خاصّة في هذه الأيام الهواجر. (أنظر الشروق اليومي في 13/8/2024. ص2).

إنّي أعتبر الأخ فؤاد “فقيها” في الإسلام، وفقيها ليس “نظريًّا”، ولكنّه “فقهٌ عملي”، لأنّه ليس فيه مصطلح “أختُلِف في المسألة” الذي يملأ كتب الفقه صدقا أو تقعُّرا.
أدعو الله الشافي أن يشفي عبده الصالح فؤاد ليعود سيرته الصالحة من غرس الأشجار والعناية بها، فهو يطبّق عمليّا لا قوليّا حديث رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلّم – الذي يقول فيه ما معناه: إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلةٌ فاستطاع أن يغرسها قبل أن تقوم القيامة فليغرسها.

إذا كان الأخ فؤاد “حبيب الشجرة” فإنّ كثيرا منا يمكن أن يُسمّوا “أعداء الشجرة” وهم هؤلاء الطالحون الذين يحرقون أشجار الجزائر عمدا لا إهمالا. اللهم آتِنا رشدنا لنجعل الجزائر كلّها كما قال الشاعر ابن الفكّون القسنطيني عن جزء منها:
يا سائلا عن وصفها إن كنتَ ذا نَصَفٍ
قل: جنّة الخُلد فيها الأهلُ والولد.

محمد الهادي الحسني – الشروق الجزائرية