إلى أين يتجه النظام الدولي في 2024؟

مضى عام 2023 وترك وراءه استمرار حالة الصراع والتوتر الحاد على مستوى الصراعات الرئيسية في النظام الدولي، وعلى رأسها الصراع الأمريكي الصيني، والحرب في أوكرانيا، إلى جانب فتح بؤر صراع حادة جديدة، وأهمها الحرب في غزة، والصراع في السودان، والبحر الأحمر عبر هجمات الحوثيين.

وعام 2023 لم يختلف كثيراً عن سابقيه، بل ربما يتزايد قليلا من حيث نطاق وقوة الصراعات، لكن الشاهد في الأمر أن حالة الصراع والتوتر قد باتت السمة الغالبة للنظام الدولي. وليس في هذا الأمر ما يستحق التعجب، فالصراع هو حالة مستدامة في النظام الدولي الواقعي الفوضوي- بحسب المدرسة الواقعية – لكن يعزو تطور وتزايد حدة الصراع في السنوات الأخيرة إلى أسباب متعددة، أهمها تزايد حدة المنافسة بين القوى الكبرى والصراع على القيادة الدولية والأدوار المركزية، وتراجع دور الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي كان بمثابة شرطي النظام الدولي القادر على إخماد التوترات في مهدها خاصة التوترات في المنطقة.

ويتبدى مما سبق- رغم أن تلك المقالة رؤية استشرافية للنظام الدولي لـ 2024- أن حالة الصراع والتوتر ستستمر لعام 2024 وما بعدها. لكن درجة وتطور تلك الصراعات هو ما سنحاول استشرافه بإيجاز في المقالة.

الصراع الأمريكي الصيني هو ما يجب البدء في الحديث عنه، بل هو المرتكز الرئيسي الحاكم لمعظم الصراعات في النظام الدولي، ونمط هذا النظام ومستقبله. الصراع الأمريكي الصيني لن يتوقف فكلتا القوتين في حرب باردة ومنافسة شديدة على كافة المستويات، ولن يتوقف لأنه صراع على حسم قيادة العالم. لكنه في الوقت عينه لن يحسم بمواجهة عسكرية (ستكون الحرب العالمية الثالثة بحق) في القريب العاجل، لأن كلتا القوتين تسير المنافسة بعقلانية ورشادة شديدة وفقاً لمبدأ «التنافس الإستراتيجي» وهو مبدأ يقوم على مرتكزات كثيرة أهمها «رهان الوقت»، بمعنى تكسير عظام بطيء على المدى الطويل.

وربما من السيناريوهات المتفائلة لعام 2024، والتي قد يعارضها الكثيرون، وهو تخفيض حدة التوتر بين القوتين. إذ على الرغم من أن بايدن قد انتهى 2023 بالتصديق على قانون الإنفاق العسكري الجديد الموَجَّه بالكامل ضد الصين بميزانية تناهز 800 مليار دولار. ومع ذلك، ثمة بوادر عدة على توافق القوتين على تقليص التوتر، ومن أهمها استئناف الاتصال العسكري، وزيارات «بلينكن» لبكين التي تشي برغبة أمريكية كبيرة في تخفيض التوتر. وقد يعزو ذلك إلى رغبة القوتين في التعاون لإنهاء الحرب الأوكرانية، ومواجهة قضية التغير المناخي، والحرب في غزة، وصراعات المنطقة عموماً. فضلا عن أن 2024 هو عام حاسم لبايدن بسبب انتخابات الرئاسة.

إذن ستدفع تبعات 2023 وما قبلها القوتين إلى حتمية تخفيض مستوى الصراع إلى قدر المستطاع، والتعاون بنفس المستوى أيضاً. فقضية مثل التغير المناخي والتي وصلت إلى مستويات حرجة جدا من الخطورة، تحتم على القوتين التعاون بسبب الأضرار شديدة الوطأة عليهما.   وتقليص مستوى الصراع بين القوتين، سيؤدى إلى تقليص موازٍ في آسيا، خاصة فيما يتعلق بالتجارب النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، التي اشتعلت كبؤرة توتر في جنوب شرق آسيا. كذلك، على مستوى الصراع بين الهند والصين، والأخيرة واليابان.

وتعد الحرب الأوكرانية، أخطر بؤر الصراع في العالم. إذ لا تكمن الحرب في مطالب ومزاعم روسيا فيها، بل لها أبعاد تتجاوز ذلك بكثير. ولعل أهم تلك الأبعاد هو تداخلها في معادلة الصراع على تحديد النظام الدولي الجديد وأدوار القوى الدولية الكبرى فيه. والحرب الأوكرانية في 2024 تتجه إلى سيناريوهين رئيسيين: الأول استمرار حالة التوازن على مستوى جبهة الصراع بين الجيشين الروسي والأوكراني. والثاني محاولة إنهاء هذه الحرب بضغط أمريكي روسي.  ويتبدى من مجريات الصراع ومواقف الأطراف المتورطة فيه، وخاصة الموقف الغربي بقيادة الولايات المتحدة؛ أرجحية السيناريو الثاني. فالمجموعة الغربية بقيادة واشنطن يبدو أنها قد سئمت من استمرار هذه الحرب، والأهم تشعر باستنزاف اقتصادي كبير جراء الدعم المستمر لأوكرانيا. ففي مشروع الإنفاق العسكري الجديد للولايات المتحدة، تم تقليص مساعدات مالية لأوكرانيا بفضل معارضة شديدة من الكونجرس. ولم يختلف الأمر كثيراً مع الأوروبيين الذين لم يخفوا نواياهم بتقليص الدعم لأوكرانيا.

والوضع في المنطقة لاسيما على صعيد الحرب في غزة والصراع في السودان، فمن الصعب التكهن بمسارهما في 2024. فحرب إسرائيل الهوجاء على غزة، تعد بالنسبة لها صراع وجود. لكن رغم ذلك، فعلى الأرجح- بسبب الضغوط الأمريكية – توقف حدة هذه الحرب على القطاع، والأهم الحيلولة دون توسعها على جبهات قتال أخرى لاسيما مع حزب الله. لكنها لن تتوقف تماما، كذلك الصراع مع حزب الله اللبناني لن يتسع لينزلق لحرب شاملة، لكنه أيضا لن يتوقف.

إذ تمارس الولايات المتحدة ضغوطا شديدة للغاية على إسرائيل لتوقف هذه الحرب بسبب تداعياتها الكارثية وصعوبة تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة (القضاء التام على حماس وتهجير أهالي القطاع). فاستمرار هذه الحرب يعني مزيداً من تورط واشنطن في المنطقة وهو ما ترفضه واشنطن بشكل قاطع.

من جملة ما سبق، نستشرف أن عام 2024 سيكون عام تقليص حدة التوتر في النظام الدولي، وخاصة على مستوى الصراع المركزي الرئيسي الصيني – الأمريكي. لكن التوتر والصراع في 2024 لن يتوقف، وربما تطرأ بؤر صراع جديدة، لأن النظام الدولي انخرط في حالة توتر مزمن على خلفية تراجع قوة الولايات المتحدة، وتنامي الفوضى الدولية، وزيادة قوة القوى الدولية الساعية إلى ترتيب النظام الدولي وأدوارها فيه وفقاً لرؤيتها ومصالحها وقوتها.

د. فاتن الدوسري – الشرق القطرية

كانت هذه تفاصيل خبر إلى أين يتجه النظام الدولي في 2024؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

أخبار متعلقة :