الارشيف / فن ومشاهير

أم كلثوم ملكة كل العصور

ياسر رشاد - القاهرة - - مبدعو الموسيقى وصُناع الأغنية يكشفون سبب تصدرها القمة رغم الرحيل

- حسن شرارة: «الست» أجادت اختيار كل حرف من أغانيها

- محمد على سليمان: صوت «سومة» قادر على غناء كل الألحان والمقامات الموسيقية

- هانى شنودة: أطالب بفتح متحف أم كلثوم مجاناً لكل الشباب

- محمد فؤاد: «كوكب الشرق» صمام الأمان للحفاظ على الريادة

- طارق مدكور: مرجع تاريخى لحضارة مصر الغنائية

- وليد سعد: براءة اختراع الأغنية المصرية

 

سيرة الحب.. الأطلال.. أنت عمرى.. أغداً ألقاك.. حيرت قلبى معاك.. هذه ليلتى.. حب إيه.. فات الميعاد، أغانى ما زالت تعيش معنا للست أم كلثوم، رغم رحيلها الذى اقترب من عامه الخمسين، حيث احتلت بأغانيها قلوب وأسماع الجميع، لتظل متربعة على عرش الطرب لأجل غير مسمى، من منا لا يجلس ليستمع لسيدة الغناء العربى، سواء فى حالة شجن وحب أو فى حالة حزن، وشجت المشاعر الصوفية بأغانى «نهج البردة»، «سلوا قلبى»، «ولد الهدى»، «أراك عصى الدمع»، «رباعيات الخيام»، وحصدت العديد من الأوسمة والجوائز من عدة دول عربية وأجنبية، منها: وسام الكمال فى مصر من الملك فاروق، وجائزة الدولة التقديرية بمصر فى الستينيات، ووسام الأرز اللبنانى، ووسام النهضة الأردنى، ونيشان الرافدين العراقى، ووسام الاستحقاق السورى، ولكن يظل الوسام الأكبر الذى حصلت عليه هو بقاؤها حتى الآن فى قلب جمهورها.

غنت أم كلثوم لمعظم مشاهير الشعراء المعاصرين، ولحن لها كبار الموسيقيين وشبابهم، وكانوا سبباً أساسياً فى بقاء أغنياتها ولذا.. سألنا كبار الموسيقيين عن سبب البقاء.

قال الدكتور حسن شرارة، عازف الكمان العالمى وعميد معهد الكونسرفتوار الأسبق، إن هناك عدة عوامل تجعل أغانى كوكب الشرق تعيش عبر أزمان مختلفة، أولها انتقاء الكلمات، موضحاً أن أم كلثوم كانت تتدخل فى كل كلمة لا تعجبها فى الأغنية، لافتاً أن هناك أشخاصاً عندما ينطقون الكلمة لا تخرج بعض الحروف بصورة جميلة منه، مؤكداً أن أم كلثوم كانت تختار الحروف والكلمات التى كانت تخرج بشكل جميل من صوتها، ثانياً الألحان موضحاً أن أم كلثوم لحن لها أعظم الملحين، أبرزهم رياض السنباطى ومحمد القصبجى وزكريا أحمد، موضحاً أن هؤلاء الملحنين علموا أم كلثوم الكثير، لافتاً أن توظيف هذا الصوت كانت مسئولية الملحنين، مؤكداً أن أم كلثوم كانت عبارة عن آلة موسيقية غالية جداً ونادرة ولن تتكرر، مضيفاً أن الأغنية الواحدة كانت تحتاج إلى سنة لكى تظهر للنور ما بين كتابة للأغنية وتلحينها عمل بروفات لها.

وأكد أن أم كلثوم كانت تأخذ شهراً كاملاً تتدرب يومياً على غناء الأغنية قبل أن تغنيها أمام الجمهور، موضحاً أن بعد هذا المجهود تكون هى والفرقة الموسيقية استطاعوا حفظ الكلمات واللحن بصورة متقنة، موضحاً أنه عمل مع أم كلثوم، ووقتها كان الملحن رياض السنباطى يلحن لها أغنية، مؤكداً أنها كانت تحترمه بصورة كبيرة وهو كان بمثابة أستاذ لها، وهى كانت تقول له «يا بابا»، وهو كان يعلمها كيفية الغناء بصورة سليمة.

وأكد أن قيمة أم كلثوم ليس فى الغناء فقط، وهو التقدير الأدبى والمعنوى، بمعنى أنها كانت صاحبة العصمة، وهى التى كانت تمضى أجازات الموظفين الذين كانوا يعملون معها وهم فى ذات الوقت موظفون فى الحكومة، وكان توقيعها يعطى الموظف أجازة من الحكومة؛ لكى يذهب لعمل بروفة معها.

وأوضح أنه من أحد أسباب نجاح أم كلثوم، التزامها بالوقت بصورة حازمة، مضيفاً أنه ذهب إليها وهو طالب كان ميعاده الساعة 12 ووصل الساعة 12 لا ربع ولم يجد أحداً، ثم فتح الاستديو فوجد الجميع متواجداً، ثم فهم بعدها أن ميعادها يذهب إليه قبلها بنص ساعة أو ساعة لكى يشرب قهوة ويجهز آلاته الموسيقية قبل البروفة.

كما أنها كانت تقدر مجهودات الشباب، لافتاً أنه كانت لديه بروفة أوركسترا مع فرقة مكونة منه هو ومجموعة من أصدقائه، فذهب إليها لكى يستأذنها للذهاب للبروفة، وسألته من صاحب الأوركسترا وأنا أعطيكم أجازة، فجاوبها هو والدكتور مصطفى ناجى وعدد من الشباب، فعندما علمت أنهم أصحاب الأوركسترا، سمحت لهم بالإجازة، موضحاً أن تقديرها للشباب جعلها تتنازل عن حضورهم للبروفة فى مقابل أنهم يهتمون بمشروعهم.

وأوضح أن أم كلثوم كانت لديها كاريزما وحضور قوى، موضحاً أنها عندما تغنى كان استحالة أن يستطيع أحد أن يرفع عينيه من عليها، مضيفاً أن حضورها يفرض على المتلقى أن يستمع لها بتركيز شديد، مؤكداً أن أم كلثوم علامة من علامات مصر مثلها مثل الهرم، وستظل ذلك مهما مضى العمر والزمن، كما أن عبدالوهاب ومحمد فوزى ورياض السنباطى كملحن، سيظل ذكراهم مستمراً. 

وأوضح أن هناك بعض المطربات يقومون بتقديم أغانى أم كلثوم، مثل مى فاروق وريهام عبدالحكيم وإيمان عبدالغنى، وهم ناجحون جداً وفتحوا أبواب الشهرة بأغنياتها، وهذه ظاهرة غريبة، متسائلاً: هل اللحن هو الذى يشهر المغنى ولا المغنى هو من يشهر اللحن، ولكن هنا بمجرد ما قاموا بتقليد وتقدم أغانى أم كلثوم حصلوا على الشهرة.

وقال الموسيقار والملحن محمد على سليمان إن أم كلثوم كانت تمتلك صوتاً به خواص خاصة جداً، ويختلف عن خواص كل سيدات الدنيا، وبه مقومات وإمكانيات غريبة، لافتاً أنه ما زال يتعجب لهذه الإمكانيات حتى اليوم، لافتاً أن صوتها به مساحات كبيرة وعريضة جداً، وصوت أبيض ناصع البياض، وقادر على غناء كل المقامات الموسيقية، والأفكار اللحنية لدى الملحنين، وتختلف عن كل مغنيات العالم.

وأكد أن ندرة صوت أم كلثوم، السبب الرئيسى أنه ما زال يعيش بيننا عبر أجيال مختلفة وحداثة تكنولوجية، لافتاً أن صوت أم كلثوم سوف يكون متواجداً عبر أجيال عديدة ولن ينسى أبداً، موضحاً أن صوت سيدة الشرق بإمكانياته العريضة استطاع جذب كبار الملحنين وكبار الشعراء، كما أن صوتها أعطى مساحة للملحنين أن يستعرضوا ألحانهم مثلما هو راغب، كما أن تمكن أم كلثوم من اللغة العربية الصحيحة، جعل الشعراء يكتبون شعراً حسبما يريدون، لمعرفتهم بقدرات أم كلثوم على الغناء والنطق الصحيح فى جميع كلمات الأغانى.

وقال الموسيقار هانى شنودة إن أم كلثوم ظاهرة مصرية وعربية لن تتكرر، مضيفاً أن أغانى كوكب الشرق لن تموت للأبد، لقوة صوتها وتمتعها بقامات صوتية مختلفة، جعلت منها سيدة الغناء العربى حتى بعد رحيلها بخمسين عاماً، مطالباً وزارة الثقافة الاهتمام بتاريخ أم كلثوم ونشر تاريخها عبر تخفيض أسعار متحفها إلى النصف أو طرح تذاكر متحفها مجاناً، لكى يتعرف عليها الشباب وعلى تاريخ أفضل مطربة مصرية وعربية عبر التاريخ، مطالباً بإعادة غناء أغانيها، مضيفاً أن طرح أغانيها عبر مطربين حاليين، سيجعل الشباب يبحث عن الأغنية الأصلية لها.

النجم الكبير محمد فؤاد أكد أن «أم كلثوم» هى سبب حبه للغناء، وحبه لمشوارها وأعمالها الفنية واهتمامه بكل تفاصيلها كان من أهم أسباب نجاحه وتنمية موهبته.

وأضاف: حينما نتحدث عن «أم كلثوم» فنحن نتحدث عن مصر وتاريخها العريق وقوتها الناعمة، فهى النجمة التى علمتنا جميعاً كيف يكون للغناء دور فعال فى بناء الدول ومساعدتها وقت المحن والأزمات، فهى مؤسسة مفهوم القوة الناعمة الدى تهبنا جميعاً ونعمل ونجتهد من أجل تطويره والحفاظ عليه. 

وأضاف: أم كلثوم هى النجاح الذى نتحدث عنه جميعاً، فنجاح أى أغنية مرهون ببقائها وحياتها مع مختلف أجيال الجمهور، وهذا ما تميز به كل أبناء جيلى، والآن نحن نتحدث عن أسطورة للأغنية، متواصل نجاحها على مدى خمسين عاماً وأكثر

وتابع «فؤاد» حديثه قائلاً: أتمنى أن يحرص كل ابناء الجيل الجديد على تراثنا الموسيقى والحفاظ عليه، لأنه صمام الأمان بالنسبة للريادة المصرية الغنائية، ولطالما يعرف الجيل الجديد أصول تراثه الغنائى ويتعلم منه ستظل مصر رائدة الغناء والموسيقى على مر التاريخ.

قال الموزع الموسيقى الكبير طارق مدكور إن كوكب الشرق «أم كلثوم» ليست مجرد نجمة أو مطربة غنائية، ولكنها مرجع فنى كبير لكل من يريد تعلم معنى الحضارة الغنائية، فهى المادة الخام للإبداع الذى لا يستطيع الزمن محوه أو التغلب عليه. 

وأضاف طارق مدكور: دائماً أذهب للغوص فى أعمال المبدعين والعمالقة، وأحرص باستمرار على مذاكرة تاريخهم، ليس قراءة عنهم أو سماع اعمالهم، فهم مرجع هام للغاية لكل من يعمل فى الموسيقى والغناء ويريد النجاح والحياة هلى الساحة. 

وأضاف: عندما ذهب لمرجع «أم كلثوم» وأقول «مرجع» لأنها ليست مجرد تاريخ ولكنها مرجع تاريخى كامل، وجدت أنها حرصت للغاية طوال مسيرتها الفنية على إبراز الجانب الجمالى فى ثقافة مصر الموسيقية، وقررت أن تطوره وتقدمه فى أبهى صور الإبداع، ولذلك مع البحث والتنقيب فى كل ما يدور على ساحة الغناء العالمى خلال هذه الفترة أو الحقبة الزمنية، سنجد أن الغرب أصابه الهوس بما تقدمه أم كلثوم وعبدالحليم وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وأصبحوا يدرسونه لأبنائهم، ومن هنا أصبح لديهم ثقافة موسيقية كبيرة، على عكس ما فعلناه نحن، اتجهنا إلى ما يقدمونه بدون أن ندرى أنه ليس إلا تطوير لتراثنا الموسيقى الذى سطره العمالقة الكبار. 

وتابع حديثه قائلاً: خمسون عاماً وما زالت أم كلثوم على القمة رغم رحيلها، لأن الإبداع الحقيقى لايموت، وهذا ما أتمنى أن يصل إلى أجيالنا الجديدة، لنعود من جديد على قمة الهرم الموسيقى والغنائى على مستوى العالم. 

وأضاف: كل ما حققته من نجاحات على مستوى مشوارى الفنى كان بسبب اهتمامى بالتراث الموسيقى وبالطبع على رأسها أغانى «أم كلثوم». 

ومن جانبه قال الملحن والموسيقار «وليد سعد» إن «كوكب الشرق» هى أيقونة كل الأجيال سواء من صناع الأغنية أو الجمهور، لأنها براءة اختراع نجاح الأغنية المصرية وثقافتنا الموسيقية. 

وأضاف: أم كلثوم هى من وضعت منهج الأغنية، بداية من الاهتمام الدقيق بالاختيار ومن بعده ضرورة التنفيذ «بكواليتى» عالٍ للغاية، فهى كانت تقدس كل عناصر الأغنية وتعطى لكل عنصر الوقت المطلوب، فالكلمة كانت عنصراً هاماً للغاية، ويأتى اللحن كأساس لمس قلوب الناس والوصول اليهم ومن بعده التوزيع الذى يعد بمثابة «البرواز» الذى تقدم من خلاله الأغنية، ولذلك مهما مرت السنوات نظل أم كلثوم أسطورة الأغنية على مستوى العالم وليس على الصعيد العربى فقط. 

وأضاف: جميع نجوم الأغنية وصناعها حققوا النجاحات الكبيرة لاهتمامهم بأغانى «كوكب الشرق» أم كلثوم، فلا يمكن لأحد أن يحقق النجاح ويستطيع التواجد الساحة دون النظر إلى تاريخ ومشواره سيدة الغناء العربى، التى رسخت معنى ومفهوم القوة الناعمة المصرية. 

 

 

 

Advertisements

قد تقرأ أيضا