فى الوقت الذى تتعذر سيطرة جيش الاحتلال ميدانيًا على شمال غزة حتى الآن، يرتفع سقف الطموحات الصهيونية باتجاه تعيين إدارة محلية. لم يتمكنوا من تحقيق سيطرة عسكرية. ومع ذلك يسعون إلى سيطرة مدنية بواسطة خَوَنة يبحثون عنهم. وليس هذا إلا ضربًا آخر من ضروب التخبط المستمر منذ 7 أكتوبر الماضى. خلق إدارة مدنية عميلة يتطلب سيطرةً عسكريةً لحمايتها.

ما يمكن استنتاجه من المعلومات القليلة المتوافرة عن إفادة رئيس الإدارة المدنية فى الجيش الصهيونى الجنرال غسان عليان، خلال اجتماعٍ لمجلس الحرب عُقد قبل أيامٍ للاستماع إليه، هو الشروع فى إقامة الإدارة العميلة فى مدينة غزة أولاً، ثم تعميمها فى أنحاء القطاع بعد ذلك. ولعل هذا يفسر احتدام المواجهة العسكرية فى حى الزيتون جنوب شرقى مدينة غزة رغم أن الصهاينة أعلنوا السيطرة على المدينة كلها وتفكيك كتائب القسام فيها قبل أكثر من شهرين مع « انتهاء « المرحلة الأولى للعدوان.

ويُفهم أيضًا مما يُعَدُ له أن الصهاينة يحاولون استنساخ تجربة روابط القرى التى فشلت فى الضفة الغربية قبل أكثر من أربعة عقود. لم تُحقِّق تلك الروابط أيًا من الأهداف التى شُكلت من أجلها، سواء السياسية خاصةً إيجاد قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير، أو الخدمية. وواجهتها مقاومةُ وطنية منذ تشكيل أول رابطة فى محافظة الخليل فى يوليو 1978 وحتى أُلقى بها فى إحدى مزابل التاريخ الأكثر وسخًا.

وقد حدث ذلك فى مرحلةٍ كانت المقاومة النشطة محدودةً وضعيفة، وفى أجواء ما بدا أنه «سلام» ممكن. أما وقد فشل ما جُرب فى ظروفٍ كان الوضع فيها أسهل بالنسبة إلى الصهاينة، فالأرجح أنه سيخفق لدى تجريبه فى وضعٍ أصعب. وتزداد صعوبة إنشاء الإدارة المُبتغاة إذا بدأوا فعلاً فى مدينة غزة التى فشلوا فى السيطرة عليها عسكريًا. وربما يفشلون أصلاً فى العثور على عملاء يؤدون هذه الوظيفة القذرة إن لم يكن بوازعٍ أخلاقى ووطنى، فعلى الأقل خوفًا من احتقار وخشيةَ أن يلقوا فى النهاية مصير الخَوَنة فى كل مكان.

د. وحيد عبدالمجيد – بوابة الأهرام