الارشيف / اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

الحرب “الروسية الأوكرانية” في ضوء الرهانات الدولية

لم تتضح الرؤية بخصوص مآل الحرب الدائرة اليوم بين روسيا وأوكرانيا على الرغم من مرور ما يقارب السنتين على انطلاقها، إذ يصعب التخمين في ظل تداخل وتشابك أبعاد ومستويات هذه الحرب اقتصاديا وماليا وعسكريا، وارتباطها منذ البداية بصراع قوى جيوسياسية في قمة الهرم الدولي، بحيث يجسد كل طرف مصالح ورهانات القوى العظمى، روسيا تعبر عن طموح القوى الصاعدة الساعية لتغيير النظام الدولي لصالحها، وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي تمثل استراتيجية القوة السائدة (الولايات المتحدة الأمريكية)، الرامية للحفاظ على سيادتها العالمية، ما ينبئ بمواجهة شاملة تضع العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة، خصوصا مع امتداد المواجهات العسكرية إلى مناطق أخرى من العالم أبرزها منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية في معادلة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني العالمي.

فكيف يمكن قراءة واستشراف الحرب الأوكرانية في ضوء رهانات الفاعل الدولي المركزي؟

كانت العلاقات الروسية الأوروبية، قبل اندلاع الحرب تسير في اتجاه المزيد من التعاون الاقتصادي، خاصة في مجال المحروقات وصناعة الصلب، حيث صارت المبادلات التجارية بين الطرفين قبل الحرب تفوق سبع مرات مبادلات أوروبا مع أمريكا، وهو تعاون اقتصادي قد يتطور إلى تحالف سياسي يقلب معادلة القوة في العالم، لما يمكن أن تمثله روسيا من سند اقتصادي وعسكري لأوروبا يحررها من الوصاية الأمريكية المفروضة عليها منذ مشروع “مارشال”، فكانت أمريكا تتخوف من التقارب الروسي الأوروبي المتنامي، وتحرص على توتير العلاقة بين الطرفين وخلق فجوة اقتصادية وسياسية عميقة بينهما، إذ من المرجح أن أمريكا لعبت دورا أساسيا في إشعال الحرب، لا سيما وأنها ظلت تقود حلف “الناتو” إلى التوسع داخل المجال الإقليمي الحيوي لروسيا، ما يشكل تهديدا واستفزازا متواصلا للأمن القومي والاستراتيجي الروسي، كما ظلت ترعى هذه الحرب وتوجه دفتها نحو التصعيد عن طريق التحكم في نوع وطبيعة الدعم العسكري الموجه لأوكرانيا، وعبر توجيه عملية إصدار العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، والتي ضربت أوروبا أيضا وكبدتها خسائر فادحة، خصوصا بعد توقف إمدادات الطاقة الروسية التي كانت تلبي ثلث حاجيات أوروبا من الغاز الطبيعي، فاضطرها ذلك إلى الاستيراد من دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بتكلفة مالية باهظة، الشيء الذي أدى إلى إغلاق أكبر مصانع التعدين والسيراميك والزجاج والورق في الدول الصناعية، نتيجة ارتفاع أسعار الغاز، وإلى ارتفاع نسب التضخم، وتباطؤ معدل النمو الاقتصادي، وضعف تنافسية المنتوجات الصناعية والغذائية الأوروبية وإرباك سلاسل إنتاجها، وتعميق التبعية الاقتصادية والسياسية والعسكرية لأمريكا، بعد الانفصال التام عن روسيا.

أظهر الرئيس الروسي “بوتين”، في السنوات الأخيرة طموحا متزايدا في قيادة روسيا نحو التحول من مركز قوة إقليمية إلى مركز نفوذ دولي، وتجلى هذا الطموح في تدخلاته العسكرية والاقتصادية في عدة مناطق كانت تخضع للإدارة الغربية، مثل الشرق الأوسط وإفريقيا، وأيضا في إصراره على تشكيل تحالف استراتيجي مع الصين، يستهدف إنشاء تكتل اقتصادي ونقدي عالمي (بريكس) مواز لمؤسسات النظام الرأسمالي، فكان لا بد من إيجاد خطة لإيقاف ما تراه العواصم الغربية تمردا تقوده روسيا والصين ضد النظام الدولي، فجاءت الفرصة المواتية مع إعلان بوتين إطلاق عملية عسكرية خاصة داخل أوكرانية، بعدما أغرته عمليته العسكرية الخاطفة بشبه جزيرة القرم، بإنجاز مماثل في أوكرانيا.

لكن الغرب كان قد قرر هذه المرة إيقاف التمدد العسكري الروسي، لأن نجاح بوتين في السيطرة على أوكرانيا كان يعني استكماله للشروط والمقومات الاستراتيجية والجغرافية التي تخول له، تحويل روسيا إلى قوة دولية لا يمكن إيقافها بعد ذلك، فاصطدم طموحه بتصميم غربي على أن تظل أوكرانيا مصدر انكشاف استراتيجي لروسيا ومركز تهديد وقلق دائم لأمنها القومي، حيث رص الغرب صفوفه من جديد متجاوزا خلافاته الداخلية بين محاور ـ باريس لندن برلين واشنطن ـ وتحقق إجماعا غربيا على عدم التفريط في أوكرانيا، بل والعمل على استخدامها كأداة لاستنزاف روسيا وإضعافها، عن طريق تقديم دعم عسكري ومادي يطيل أمد الحرب، ويجعل منها ذريعة لفرض حصار اقتصادي على روسيا يفضي إلى تفكيكها واستسلامها.

حين كانت الترتيبات الأمريكية تسير نحو هندسة نظام إقليمي جديد بالشرق الأوسط تقوده إسرائيل، في اتجاه ترسيخ الهيمنة الغربية على المنطقة المستمرة منذ فترة الانتداب البريطاني، وحمايتها من التهديدات الاقتصادية الجديدة القادمة من الصين، لم يخطر ببال أحد أن روسيا ورغم انشغالها بالحرب الأوكرانية، مازالت قادرة على مواجهة المخططات الغربية في المنطقة، واستخدام آليات الاستنزاف نفسها، التي ظل يوظفها الغرب عادة ضدها من خلال خلق جبهات قتال جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تستنزف الدول الغربية وتضعف مجهوداتها في الساحة الأوكرانية، وتخول المحور الروسي ورقة ضغط قوية في مفاوضتها مع الغرب الأطلسي.

الاستراتيجية الروسية، تعول بالأساس على علاقاتها الوثيقة بإيران كفاعل إقليمي محوري في الشرق الأوسط، له مصلحة حيوية في تفادي هزيمة روسيا في الحرب الأوكرانية، تبعا لحاجة إيران الماسة إلى الدعم الروسي الذي يوازن قوتها في الصراع الذي تخوضه إلى جانب نظام بشار الأسد في “سوريا” ضد التحالف الأطلسي، ولهذا ستبادر إيران التي تنسق أعمالها الحربية مع روسيا في عدة مناطق من العالم، إلى تحريك أدواتها السياسية والعسكرية وتوجيهها نحو توسيع دائرة الصراع، مباشرة بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس الموالية لإيران، حيث ستنتقل القوى والتنظيمات المنتمية للمحور الإيراني، من مواجهات على مستوى محلي، ضد قوى مذهبية وعرقية متحالفة مع الغرب في اليمن وسوريا والعراق… إلى مستوى دولي تواجه فيه القوى الدولية، عن طريق تنفيذ ضربات عسكرية مباشرة استهدفت عدة مواقع وقواعد عسكرية أمريكية وبريطانية بمنطقة الشرق الأوسط، كما ستوجه ضربات اقتصادية لهذه الدول، من خلال إغلاق مضيق باب المندب الذي يمر منه ثلثا التجارة الدولية، في وجه إسرائيل والدول الغربية المتحالفة معها، هذه الهجمات التي تدعم مجهود الفصائل الفلسطينية في حربها الدائرة بغزة ضد إسرائيل، خلقت استنفارا سياسيا وعسكريا وماليا في دول المحور الغربي غير مسبوق، حيث بادرت أمريكا لاتخاذ مجموعة من التدابير المستعجلة لتسليح إسرائيل وحمايتها من أتباع المحور الإيراني الروسي، كما بادرت بتشكيل تحالف دولي من أجل توجيه ضربات عسكرية في اليمن وسوريا والعراق، مما حول الشرق الأوسط إلى مجال جيوسياسي ومتوتر وملتهب، يصب في مصلحة روسيا، ويرخي بظلاله على الساحة الأوكرانية.

فقد بدأت البيانات العسكرية المنشورة في أكثر من موقع أمريكي متخصص، تظهر أن المساعدات الأمريكية المقدمة إلى كييف شهدت انخفاضا قياسيا منذ بدأ الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة ، حيث توالت التصريحات الرسمية التي تكشف عن بداية تغير موازين القوى لصالح روسيا بسبب الحرب في الشرق الأوسط، وأبرزها ما صرح به الأمين العام لحلف شمال الأطلسي “ينس ستولتنبرغ”، مؤخرا بأن “الحلف عليه أن يكون مستعدا لتلقي الأخبار السيئة القادمة من أوكرانيا” ملمحا إلى احتمال انهيار الجيش الأوكراني، بسبب تراجع المساعدات الأمريكية، وحتى الرئيس “زيلينسكي” نفسه صرح أنه يخشى من أن تؤثر الحرب “بفلسطين” على الصراع “بأوكرانيا”.

لقد أثبتت عملية “طوفان الأقصى” والعمليات العسكرية المؤيدة لها، أن عصر التدبير الأمريكي الأحادي للعالم انتهى، وأن أي هندسة جديدة في أي منطقة من مناطق الصراع في العالم، لا يمكن تنزيلها قبل الوصول إلى تفاهمات تضمن مصالح المحور الصيني الروسي الإيراني، وهو ما سيفرض على الغرب إعادة ضبط وترتيب حساباته المتعلقة بالحرب الأوكرانية، في ضوء النتائج التي سيسفر عنها الصراع الدائر اليوم في منطقة الشرق الأوسط، والذي سيكون له الدور الأكبر في توجيه مسار الحرب الأوكرانية.

تحول أوكرانيا إلى ساحة حرب دولية، كان بسبب قصور نظامها السياسي عن ملاءمة سياساته الخارجية مع التحولات التي تعرفها بيئته الخارجية، حيث يمر العالم من مرحلة انتقالية يعاد فيها تشكيل موازين القوى الدولية، وهي مرحلة كانت تتيح له، التوفيق بين هويته وجذوره الروسية، وهواه الليبيرالي الغربي، إلا أنه اتخذ موقفا سياسيا متصلبا، بانحيازه التام للغرب، جعل من “أوكرانيا” تهديدا وجوديا لروسيا ومصدرا لانكشافها الاستراتيجي أمام الغرب، الشيء الذي كلف البلاد خسائر فادحة ضيعت عقودا من التنمية والبناء، وأفقدها جزءا مهما من ترابها الوطني، وحول مصيرها الى مجرد ورقة تفاوضية، في لعبة النفوذ الدولي، يتم توظيفها من طرف الفاعلين للوصول إلى تسويات وتفاهمات حول النظام العالمي الجديد.

حاتم البقالي – هسبريس المغربية

كانت هذه تفاصيل خبر الحرب “الروسية الأوكرانية” في ضوء الرهانات الدولية لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا