الارشيف / اخبار العالم

القبول هو التحدِّي

  • 1/2
  • 2/2

يخلق جوهر الإيمان المسيحيِّ تحدٍّيًا عند الَّذي يتعرَّف عليه. ويتبع هذا التحدِّي مواجهة شرسة لا هوادة فيها. فمن يعتنقه لا يستطيع أن يبقى كما هو. فالمسيحيَّة تقوم على شخص المسيح، وكلمة المسيح لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، لأنَّ المسيح هو الربُّ المتجسِّد. النبوءات كلُّها تكلَّمت عليه، هو الألف والياء، البداية والنهاية، والربُّ الكائن والَّذي كان والَّذي يأتي[1].

الرسول بولس يقول: «لأنَّ كلَّكم الَّذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح[2]». هذا يعني أنَّنا أصبحنا مسيحًا بالنعمة، ولا نستطيع أن نلبس أيَّ شيء آخر.

أن نكون مسيحيِّين على الهويَّة أو حتَّى بخدمة إكليريكيَّة معيَّنة لا يعني شيئًا. المهمُّ ما نلبسه روحيًّا وليس جسديًّا.

قديمًا آدم وحوَّاء خلعا لباس المسيح ولبسا الخطيئة. لا يهمُّ مَن كان البادي، ومن أغرى مَن؛ الاثنان سقطا. قد يحلو للبعض أن يقولوا إنَّ حوَّاء أغرت آدم. وآدم بدوره ألقى الملامة على الله بقوله له: «المرأة الَّتي جعلْتَها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلتُ[3]».

لم يرد آدم الاعتراف بخطيئته ولا مواجهة نفسه، بل اعتبر الله مذنبًا بخلقه حوَّاء.

هذا ما نفعله نحن عندما لا نريد أن نقرَّ بضعفنا، نبحث عمَّن نلقي التهمة عليه.

ولكنَّ الله لم يقف عند تهرُّبنا من المسؤوليَّة، بل أخذ كلَّ خطايانا على عاتقه، وكان التجسُّد والفداء في فكر الله قبل البدء، لينتشلنا من سقوطنا.

لهذا كلُّ فهم بالعمق لعيدٍ سيِّديٍّ يمرُّ بأمرَين رئيسين: معنى العيد وارتباطه الخلاصيِّ بالإنسان. فهناك دائمًا الله ونحن. وكلُّ ما فعله الله هو من أجلنا، ولنا ملء الحرِّيَّة بالقبول أو الرفض. وأيًّا يكن خيارنا، يجب أن يكون مبنيًّا على يقين ومعرفة وقناعة وفهم: لماذا أقبل أن أكون مسيحيًّا وكيف أترجم هذا القبول؟ أو لماذا أرفض؟.

هنا يقول لنا بولس الرسول أيضًا: «ليس أحد يقدر أن يقول: «يسوع ربٌّ» إلَّا بالروح القدس[4]». هذا يعني أنَّ الإيمان ليس لفظًا من الشفاه، بل عيش والتزام، ولا مكان للازدواجيَّة فيه، لأنَّه حيث الروح القدس لا يمكن أن يكون أيُّ روح آخر.

نحن ضعفاء، وجهادُنا وحده لا يكفي. والربُّ لم ولا ولن يتركنا يتامى، رازحين تحت نير الخطيئة، بل هو حاضر في كلِّ لحظة ليؤازرنا.

فهو الذي قام بالمبادرة الأولى، لأنَّه يحبُّنا. والمحبَّة تعطي ذاتها. فصيرورة الإنسان إلهًا هي خلق جديد للبشريَّة، وإعادة صورة الله لها الَّتي أظلمت في الخطيئة (القدِّيس أثناسيوس الكبير).

يسوع هو الإنسان الجديد، وهذا ما كان ليتمَّ لو لم يكن يسوع إلهًا. فمشروع الثالوث القدُّوس مع البشريَّة، هو ليس فقط خلق الإنسان على صورته، بل أيضًا تحقيق شبهه (ليونيد أوسبنسكي). لهذا نحن كلُّنا أيقونة الله. ولا أحد يمكنه أن يقول: «لا أستطيع»، لأنَّ الله لم يدعُنا إلى تحقيق شيء لا يمكن تحقيقه، بل على العكس أعطانا كلَّ القدرة لإنجازه.

هنا تأتي الليتورجيا لتؤكِّده، فلا عجب مثلًا من أن يكون قنداق (قطعة صلاة) "أحد الأيقونات"، الأحد الأول من الصوم الكبير، لوالدة الإله، معلنين غلبتها، لأنَّها نموذج حيٌّ لتألُّه بشريَّتنا، أي اتِّحاد كامل مع الله.

هذا هو التحدِّي الكبير: أن نسعى إلى الاتِّحاد بالخالق أو نبقى ترابيِّين. والاتِّحاد هو الحرِّيَّة، لأنَّه تحرُّر من كلِّ ما يشدُّنا إلى أسفل. هو انطلاق، هو قيامة وصعود.

مَن يراجع تاريخ البشريَّة يجد أنَّ هذا كان مرتجى الإنسان الباحث. فالفيلسوف أفلاطون مثلًا أفاض في كلامه عن النموذج الأوَّل والجمال الأوَّل، والولوج إليهما. واعتبر أنَّ العالم الساقط لا يشبه العالم الحقيقيَّ.

هذا ليس كلامًا غير مسيحيٍّ على الإطلاق. وهذا ما أتى يسوع لتحقيقه: الصورة الأولى قبل السقوط.

فإذا توقَّفنا مثلًا أمام معموديَّة يسوع الَّتي تمَّ فيها الظهور الإلهيُّ، نجد أنَّ ما فعله هو موت في المياه وقيامة، أي ولادة جديدة لنا، لتسير بنا هذه الولادة إلى التجلِّي، حيث نحن مدعوُّون إلى اقتبال نوره الإلهيِّ. فهو أتى ليعطينا الملء في معموديَّتنا على اسم الثالوث القدُّوس.

وتكرار الآية «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» في المعموديَّة والتجلِّي، هو لكي ندخل في سرِّ هذا التدبير الإلهيِّ. ونلاحظ في المرَّة الثانية، في التجلِّي، يزيد الآب: « لَهُ اسْمَعُوا[5]».

هنا الكمال، الإصغاء لكلام الربِّ والعمل به. بهذا يكتشف الإنسان حقيقة وجوده، وقيمته. فهو الوحيد الَّذي أُعطي له ليلبس المسيح.

فهذه المقولة القديمة قبل ولادة المخلّص بأنَّ الإنسان عالم صغير (microcosme) ، أي يوجد فيه كلُّ مكوِّنات الكون، لا بل خُلق العالم على صورة الإنسان الَّذي هو أجمل صورة وأكملها (أفلاطون)، هذه الصوره أعطى المسيح ملئها وكمالها بتجسُّده.

الإنسان بالنسبة إلى المسيح هو محور الكون ومقدِّسُه إن تقدَّس. والقداسة تبدأ أوَّلًا بالموت عن الذات.

فما أجمل هذه القطعة الَّتي نرتِّلها في سحر عيد الظهور الإلهيِّ: «إنَّ الإله الكلمة، لكي يعيدنا إلى المرعى المحيي، بادر إلى أوكار التنانين، فاصطادنا منها، ملاشيًا دوائر اشراكها المتعددة، وسجن في العمق الثعبان المؤذي جنس البشر بالجملة، مخلِّصًا الخليقة».

هذه القطعة تجيب الحضارات القديمة وتقودنا إلى العهد الجديد. قديمًا كانت المياه مسكن الشياطين، أي التنانين. هذا ما نشاهده في أيقونة الظهور الإلهيِّ داخل المياه تحت أقدام المسيح. والثعبان في سفر التكوين يشير إلى الشيطان.

فها قد أتى المخلِّص، ليكرّر لنا ما قاله بلسان إشعياء النبيِّ: «اغتسِلوا. تنقَّوا. اعزِلوا شرَّ أفعالكم من أمام عينيَّ. كفُّوا عن فعل الشرِّ... اطلُبوا الحقَّ[6]».

إلى الربِّ نطلب.

[1]. رؤيا 1 : 8

[2]. غلاطية 3 : 27

[3]. تكوين 3 : 12

[4]. 1 كورنثوس 12 : 3.

[5]. متَّى 17 : 5.

[6]. إشعياء 1 : 16-17.

كانت هذه تفاصيل خبر القبول هو التحدِّي لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على النشرة (لبنان) وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا