يقول الشاعر:

وإذا الفتى بلغ الثلاثينَ استوى

بالوعي لا يكبو ولا يتنكّبُ

والأربعونَ بدايةُ النضج الذي

يجني به ثمرَ النجاحِ مجرِّبُ

والمُقْبِلاتُ من السنينَ سعادةٌ

ما بَعْدَ مَشرِقِها المزغردِ مَغرِبُ

قدِّمْ عطاءَ الخيرِ واجتنبِ الأذى

وسيستبدُّ بكَ النعيمُ الأرحبُوإنما عُمر الإنسان أطوار وأطوار، لا مجرد أيام، وقد يحيا الإنسان طويلا وهو في طور لا يبرحه، أو في أطوار افتراضية تفرضها المراحل لا خيار له فيها! كطور التشكلات مثلاً، وهو طور يتشكل في كل منا حسب معطيات عاشها أحاطت به، وجَرَتْ جيناتها في دمه، ثم طور الاستنتاج، وهو طور يكتشف فيه الإنسان خيارات فضلى، وما كل إنسان يستفيد من هذا الطور، إذ إنّ بعضنا أو الغالبية يمر عليه مرور الكرام.

ولكن الطور الأهم هو طور النضج، ذلك الطور الذي يصنع فيه الإنسان نهجه الذي يحيا به، ويكتشف فيه حقائق نفسه، ويصحح به أخطاء ماضيه، ويغتنم به راحة باله ومستقبله.

هو طور لا يدركه إلا من خصه الله سبحانه بالوعي، لا من خصه الله بالعمر الطويل، أو التجارب الكثيرة، طور يحظى به من حفّه الله بأيادٍ تكتنفه بالدعوات، وقلوب تغمره بالحب والود.

فكثير من الوعي يضمن، بإذن الله، كثيراً من الصواب، وكثير من الحب والود يضمن كثيراً من الطمأنينة والأمان.ففي هذا الطور، ألا وهو طور النضج، يعلم الإنسان ما لم يكن يعلم، ويجعله يضحك على ما كان يبكيه، ويبكي على ما كان يضحكه، وسيفهم نفسه والحياة والناس أكثر من ذي قبل.

هذا الطور سيعبر بك إلى كل ما هو مهم، فتشبّث به، وامض معه، وستقارن بين ما كنت عليه من قبل ومن بعد، وستلتفت حينها للوراء وستجدُ رائحة أخطائك تُزكم أنفك! لكنك ستصنع منها فنارا ينير لك طريقك من جديد.

وقبل طور النضج؛ قد تكون ممن يحرم نفسه الكثير ويعطي الكثير، وتثق بالكثير وتعفو عن الكثير، تخطئُ عن عمد وتصيب صدفة، يغرك المظهر وتزهد في الجوهر!

وبعد طور النضج، ستعطي نفسك الكثير وتعطيهم بقدر ما يعطونك لا أكثر ولا أقل، وستثق بالجدير وتعفو عن الكفء، وستجتنب الخطأ وتختار الصواب، سيعجبك المظهر ولكن في المقابل سيفتنك الجوهر بصورة أكبر.

ستتحلى بالأناة عوضا عن العجلة، واللين عوضا عن الشدة، واليسر عوضا عن العسر، والرأفة عوضا عن القسوة، والصبر عوضا عن الجزع، والحِلم عوضا عن الصفاقة.

ستقف ممتنًّا لكل لحظةٍ نضج عشتُها مقدِّما فيها الفضائل بتوفيقٍ من الله.

فاطمة المزيعل – الأنباء الكويتية