الارشيف / اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

المدينة الخيرية بسوبا.. بين (رأس الشيطان) و(آخر مُكالمة)!!

  • 1/2
  • 2/2

شهاب محمد - الخرطوم - الخليج 365:

أسباب عديدة جعلتنا نقوم بزيارة لمنطقة سوبا “سابقاً” وتُعرف حالياً بالمدينة الخيرية وقد أطلق عليها البعض هُنا “رأس الشيطان”، إدارياً تتبع لمحلية جبل أولياء، وبالتالي فهي إحدى مناطق (العاصمة الحضارية…!!) ومع ذلك تنقصها خدمات أساسية؛ بها يصيرُ الإنسانُ إنساناً مثل مياه الشرب النقية، الكهرباء، التعليم والمرافق الصحية.. أما عن المخاطر الأمنية فحدِّث ولا حرج، ولذا كان (الابن الشرعي) لتلكم المشكلات المُستفحلة، (توالُد) ممارسات خاطئة أقلُّها ترويج الخمور والسرقات، وهكذا انضمَّ هذا الحي مؤخراً إلى قائمة أحياء: (فرنسا، رام الله، الفلوجة وآخر مكالمة)!!!

العُصُور الأُولى
أول ما لفت انتباهي وأنا أدلفُ إلى المنطقة المُسمّاة (مجازاً) “المدينة الخيرية” أنّ سُكّانها مازالوا يعيشون على وتيرة القرون الأولى في ظلامٍ دامسٍ، ويعتبرون أن الكهرباء حلم بعيد المنال، ليس ذلك فحسب، بل يُمكنك أن ترى الفقر يمشي بين الناس ويتجسّد ذلك في مأكلهم ومشربهم وحركتهم وسكونهم، ورغم أنّهم مُواطنون سُودانيون وبأوراقهم الثبوتية ولكنهم لا يُحظون بأدنى الحقوق التي نص عليها دستور السودان.
(السوداني) زارت تلك المنطقة للوقوف على مُعاناة أهلها اليومية التي استمرت ما يقارب نصف قرن من الزمان، فبعد وصولنا إلى منطقة السلمة السوق جنوب الخرطوم، أشار إلينا مواطن بعدم الوصول إلى حي سوبا إلا بمرافق من قبل أفراد الشرطة نسبةً لخُطُورتها وعمليات النهب التي تطال زُوّارها وطلب منا العدول على هذا القرار.
(تاكسي الغرام)
توجّهتُ صوب سائق ركشة وأخبرته بمكان مشواري فقال لي: (والله لو وزنتي لي الركشة دي دهب ما بودِّيكِ) وكِدتُ أن أعود إلى حيث أتيتُ، قبل أن أجد سيدة في طريقها من السوق إلى منزلها داخل الحي وأخطرتني بأن الوسيلة الوحيدة للوصول تتم بواسطة عربة (كارو) كان يُطلق عليها في ما مضى من زمن اسم (تاكسي الغرام)، فتلك المنطقة لا تزال تعتمد على وسائل نقل تقليدية، حيث وجدنا مُعاناة حقيقة في الوصول إليها على عربة (كارو)، سارت بنا في طريق ترابي وَعِر وكادت درجة الحرارة الملتهبة أن تتسبب في إصابتنا بضربات الشمس.. جميع (الرُكَّاب) على ظهر الكارو كانوا يثرثرون عن تلك المُعاناة وعدم اهتمام الدولة بإنسان المنطقة.
قطَّاع طُرُق ينهبون الطُلاب!!
وتقول المواطنة فاطمة التي تجلس بجانبي في عربة الكارو، إنها تقطن هنا منذ 15 عاماً، ومنطقتهم تعاني من تردي الخدمات رغم أنها قد اكتمل تخطيطها بالكامل، وأنّ مُعظم أبنائها تركوا مقاعد الدراسة لعدم توافر مدارس ثانوية بالحي، فهم يقطعون مسافات بعيدة ويتعرّضون يومياً للنهب من قِبل قطّاع الطرق!! ووافقها جميع من كَانوا على (الكارو) بما فيهم السَّائق، وَأَضَافَ قائلاً: إنه تَعرّض عدّة مرّات للنهب، الأمر الذي دفعه يتوقّف العمل بعد مغيب الشمس، وقاطعته بتول بنبرة ملؤها الحسرة بأن المواطنين قد أطلقوا عليه حي “حكومة مافي”.
منازل من الرواكيب
طوال الطريق إلى المنطقة بواسطة (الكارو)، كان المواطنون يسردون قصص معاناتهم المستمرة، حيث أنها تعاني غياب الخدمات الأساسية للمنطقة، بجانب وعورة الطريق خاصة في فصل الخريف، حيث تتوقف الحركة تماماً وتنقطع المنطقة عن بقية الأحياء المجاورة، اضافة إلى خلافات الأراضي المستمرة، وهنالك بعض المواطنين لم يجدوا حظهم من هذا التخطيط ولا يزالون يقطنون داخل رواكيب، سارت عربة الكارو مسافة من الزمن وقد لاحت من على البُعد بعض الرواكيب التي انتشرت على جوانب المنازل المشيَّدة حديثاً.
موقع مُميَّز ولكن…!
هنا لك أن تسأل – عزيزي القارئ – عن طول المسافة الفاصلة بين سوبا وجنوب الخرطوم؟ الإجابة أنّها تقع على بُعد أربعة كيلو مترات فقط وفي موقع مميّز بمساحة 11 كيلو حيث توزَّعت على”8″ مربعات. ويرجع تأسيسها إلى عهد حكومة الديمقراطية الثالثة بزعامة الصادق المهدي (ثمانينات القرن الماضي) ويقطن بها مزيج من القبائل، بها حوالي (52030) منزلاً بعضها لا يزال تحت التشييد، توجد بالمنطقة مدرستان لمرحلة الأساس بنين وبنات تم تشييدهما بالجهد الشعبي، ويعتمد سكان المنطقة على جلب المياه بواسطة (الكارو) من مضخات تعمل على تخزين المياه داخل (فناطيس) توزّعت على أنحاء مُتفرِّقة من الحي مقابل مبالغ مالية.
تردي الخدمات!!
كانت بداية الجولة من أمام مضخات المياه التي تَجَمّعَت حولها مجموعة من الصبية يجرون عربات الكارو تحمل براميل قد اصطفوا بانتظام، وقد وضع فنطاسٌ كبيرٌ للمياه أعلى سور مدرسة لحفظ المياه التي يتم ضخها بواسطة مُولِّد، ووجود ذلك الفنطاس كما أخطرنا أحدهم بالمنطقة يُشكِّل خطراً لتلاميذهم بالمدرسة، التي وصفها سكانها بأنها شُيِّدت بالجهد الشعبي ولا تُخضع لأيِّ ضوابط هندسية.
وتقول منى التي التقيناها أمام ذلك المضخ إنّها حضرت تحمل من منزلها الذي يبعد أمتاراً من مكان الماء، حيث أفادت بأنها تقطن منذ عشرة أعوام وتعاني من جلب المياه يومياً نظير مبلغ تدفعه لصاحب المضخ، مُشيرة إلى أن تلك المياه التي تمر من المضخات الى الفنطاس ملوثة ومالحة، الأمر الذي قد يسبب مستقبلاً أمراضاً مزمنةً للسكان مثل المصران العصبي والفشل الكلوي، بجانب آلام المعدة المتواصلة، ولفتت إلى حفظ تلك المياه داخل فنطاس حديدي غير صحي يُمكن أن يؤدي إلى تفشي الإسهالات نسبةً لوجود الطحالب داخلها وعدم إخضاعها للرقابة الصحية وقد وافقها معظم سائقي عربات الكارو الذين اصطفوا في انتظار أدوارهم، وضعت “منى” إناءها الممتلئ بالماء أعلى رأسها وتحرّكت نحو منزلها مُتحسِّرةً!!!
(سُـوق لكلاك)
واصلنا الجولة بحي سوبا، حيث سُوق (لكلاك) وهو سوق صغير أطلق عليه هذا المسمى لعدم استقراره ويُواجه العديد من (اللكلكة) – حسبما وصفه أصحابه -، مُعظم الباعة يفترشون على الأرض خُضروات (كَسَاها) غبار المَارّة وكاد أن (يدفنها) ويظل مُعظمهم في أشعة الشّمس طوال اليوم دُون وجود مَظَلات تَحميهم، هذه الرَّواكيب التي تُباع بداخلها اللحوم الحمراء والبيضاء.
وتقول المُواطنة نادية، إنّها درجت للشراء من ذلك السوق الوحيد بالمنطقة رغم أنه غير صحي، حيث تُباع داخلها اللحوم الحمراء والبيضاء النافقة التي يتم جلبها من المُزارع بمنطقة مايو على قدر ظروفك لسد رمق الفقراء، وقد اشتكى مُعظم المواطنين بعدم تنظيم الرواكيب والتي نُصبت معظمها فى أراضٍ لمُواطني وقد احتل البعض منهم الشارع العام لعرض بضاعتهم.
تلاميذ تركوا الدراسة
من جهته، اشتكى آدم إسماعيل من حالة الذعر التي تصيب تلاميذهم بسبب قطّاع الطرق على هؤلاء الأطفال ونهب مصاريف فطورهم، الأمر الذي تسبب في حالات تسرب كبيرة بالمدارس، حيث يقطع الطلاب حوالي 3 كيلو مترات يومياً، الأمر الذي أرهق أهاليهم ودفع أبنائهم لترك الدارسة، فمعظم الطلاب تركوا مقاعد الدارسة خاصة في فترة الخريف، حيث يتعرّض المواطنون للنهب ليلاً ونهاراً وتنعدم بالمنطقة الأمن الكافي ويتعرَّض الأطفال للضرب المبرح من قبل هؤلاء المُجرمين.
(ميدان تيرا)
وفي طريقنا إلى خارج الحي، لفت انتباهنا ميدان كبير به جمهرة من المُواطنين تبعث منه رائحه نفّاذة من الخمور، وبعضهم دلف إليه يحمل قوارير مشروبات غازية فارغة، من خلال مشاهدتنا له تأكّد لنا خطورة المكان، حيث شرح لنا أحد الشباب الذين درجوا على الحضور إليه لتعاطي الخمر بأن (ميدان تيرا) يُعد من أخطر الميادين بالمنطقة، حيث تنشط داخله صناعة الخمور البلدية على عينك يا سُلطات، وبدأ عدد من الشباب يتوافدون إليه ويقوم بعض النسوة بوضع إطارات سيارات أمام كل بئر تتم به صناعة الخمور، بعضهن انشغلن بشراء قوارير المشروبات الغازية والأخريات يقمن بتنظيف الميدان تأهباً لاستقبال الزبائن، وفي حذرٍ شديدٍ، اقتربت من إحدى (المُروِّجات) التي بدت مُنشغلةً بعض الشيء، قطعت حبل تفكيرها رغم أنها تعلَّلت بأنّها مشغولة جداً بتحضير (طلبية) لمُناسبة (كرامة)، لكن بعد رجاءاتي لها قادتني إلى خارج الميدان وطلبت مني مُقابلتها ليلاً خارج الميدان بعد فراغها من تسليم الطلبات.. عدد من المُجاورين لذلك الميدان اشتكوا من عدم اهتمام السُّلطات وحملات الشرطة، حيث أصبح الميدان مصدر قلق وشجار وجرائم قتل وغيرها من الممارسات الأخلاقية إلى وقت متأخر من الليل.
اللجان الشعبية
وفى ذات السياق، يقول نصر إسحاق أبو بكر رئيس المؤتمر الوطني بالحي ومقرر اللجان الشعبية بالمنطقة، إنه يقطن منذ العام “1992م” فهي من المناطق القديمة ولكنها تعاني من عدم توافر الخدمات المهمة لإنسان المنطقة، بدأ التخطيط بها في العام “1995”م وتم توزيع الديباجات في العام “1998”م، وتوزيع استمارات لكل من لم يجد حظه في التوزيع الى العام 2005″م ومُعظمهم ظل منتظراً لفترة طويلة، الأمر الذي دفعهم للسكن في الرواكيب، مُؤكِّداً عدم وجود مرفق صحي واحد بالمنطقة يقدم الخدمات للمواطنين، وقال إنّ المعاناة تزداد في فصل الخريف، حيث يواجه السكان مشكلة انقطاع المنطقة عن الأحياء الأخرى، واتفق مع من سبقوه بالحديث بأن تسرُّب طلاب المنطقة من المدارس يُعتبر وصمة في جبين الدولة لأنّ سبب تسرُّبهم افتقار المنطقة للعديد من الخدمات، وبالتالي بعض الطلاب فضَّل العمل في جلب المياه بـ (الكارو)، وآخرون يعملون في نقل المواطنين، وهذا خلاف من ترك الدراسة بسبب الرُّعب الذي أصابهم من عصابات الطُرق.
الجهات المُختصة لا يمكن الوصول إليها!!!
حملنا حزمة من الاستفهامات تكوَّنت بمخيلتنا بعدما رأيناه بأم أعيننا وسمعناها كفاحاً، سعينا لطرحها على مسؤول الخدمات بسوبا، والتي تتبع للوحدة الإدارية (قطاع الأزهري)، السيد/ فضل كرار، بعد أن فشلت كل مساعينا في الوصول لمعتمد محلية جبل أولياء، لكن حتى كرَّار تعذَّر الوصول إليه، فاضطررنا لملاحقته بالهاتف الجوال، إلا أنه لم يرد على مكالماتنا التي استمرت لأيّامٍ…!

المادة السابقةابــراج الكاردينال ونيابه المال العام.. بقلم معتصم محمود
المقالة القادمةالقصر أو القبر !!.. بقلم زهير السراج

كانت هذه تفاصيل خبر المدينة الخيرية بسوبا.. بين (رأس الشيطان) و(آخر مُكالمة)!! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على السودان اليوم وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements