الارشيف / اخبار الخليج / اخبار اليمن

المضاربة بالعملة في اليمن.. المخاطر والآثار والحلول

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

المنامة - ياسر ابراهيم -    تعددت العوامل والأسباب التي أدت إلى تدهور قيمة الريال اليمنية وانخفاض قوته الشرائية، غير أن القاسم المشترك بين هذه العوامل والأسباب، والذي لا يختلف عليه اثنان؛ هو المضاربة بالعملة، والذي أثر بشكل كبير في تدهور قيمة العملة المحلية خلال فترة الحرب.
 
وتُعدّ المضاربة بالعملة واحدة من أخطر الظواهر التي تواجه الاقتصاد اليمني المُنهك أصلاً، حيث تُلقي بظلالها القاتمة على كافة جوانب الحياة..
 
ويُشكل المضاربون بالعملة في اليمن جرحاً عميقاً يستنزف ثروات الوطن ويُفاقم من معاناة الشعب اليمني. فهم أشبه بـ "تجار الأزمات" الذين يستغلون الظروف الصعبة لتحقيق أرباح فاحشة على حساب ملايين اليمنيين، وعلى حساب استقرار الاقتصاد الوطني وقوت المواطن البسيط.
 
وفي هذا المقال سنسلط الضوء على هذه المشكلة، ابتداء بالتعرف على المضاربين بالعملة في البلاد، وكيف يتم ممارسة المضاربة بالعملة؟ وما هي العوامل المحفزة للمضاربة بالعملة في اليمن؟ وما هي المخاطر والأثار الاقتصادية والإنسانية الناتجة عن المضاربة بالعملة؟ ثم سنختم المقال بتوصيات للحكومة الشرعية، وبنكها المركزي، من شأنها أن تحد من عملية المضاربة بالعملة.
 

من هم المضاربون بالعملة في اليمن؟

المضاربون بالعملة هم أفراد، أو جماعات؛ يقومون بشراء وبيع العملات الأجنبية، ليس لأغراض تجارية حقيقية، بل لأغراض مختلقة تتعارض مع القوانين واللوائح المنظمة لبيع وشراء العملات، وبشكل موجه، سريع ومكثف، بهدف تحقيق الربح من تقلبات أسعار الصرف، أو تحقيق مكاسب سياسية..
 
ويُعد تجار الحروب من أبرز المضاربين بالعملة في اليمن، حيث يستغلون الفوضى والصراع لجمع الثروات. كما تُساهم بعض شركات الصرافة في المضاربة بالعملة من خلال شراء وبيع العملات الأجنبية بأسعار غير واقعية. الأفراد أيضًا يشاركون في المضاربة من خلال تتبع حركة واتجاهات السوق واتخاذ قرارات البيع أو الشراء بناء على توقعاتهم المستقبلية.
 
 
كيف تُمارس عملية المضاربة بالعملة في اليمن؟

يمارس المضاربون بالعملة عدة اساليب للتأثير على سعر الصرف، منها:

  1. نشر الشائعات، ونشر معلومات مضللة، سلبية أو إيجابية، لخلق حالة من الذعر بين الناس ودفعهم إما لشراء العملات الأجنبية بأسعار مرتفعة، وإما العكس من ذلك ببيع العملات الأجنبية بأسعار منخفضة بهدف التربح غير المشروع.

    2. يقوم المضاربون بالتلاعب بالأسعار من خلال هذه الشائعات. فمثلا يُضخم المضاربون من شائعات تدهور العملة الوطنية، مما يخلق حالة من الذعر بين  المواطنين ويدفعهم إلى شراء العملات الأجنبية بأسعار مرتفعة. 

    3. كما يقوم المضاربون أيضا، بشراء العملات الأجنبية بكميات كبيرة من السوق المحلية عندما تنخفض قيمتها أمام العملة الوطنية، ثم يعمدون إلى رفع سعر  صرفها أمام الريال اليمني مرة أخرى، ليربحوا بهذه العملية مبالغ طائلة. 

    4. يعمد المضاربون على احتكار العملات الأجنبية، وبيعها بأسعار مرتفعة عندما يزداد الطلب عليها. كما يتحكم المضاربون بكميات العملات المتاحة في    السوق، مما يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في أسعار الصرف. 

    5. التلاعب بسعر الصرف من خلال شراء وبيع العملات الأجنبية عبر قنوات غير رسمية. 

    6. استغلال الفوضى وانعدام الرقابة. حيث ينتشر المضاربون في أسواق الصرافة الرسمية وغير الرسمية، مستغلين غياب الرقابة الحكومية وضعف تطبيق   القوانين. 

   7. من خلال واحدة من الوسائل أعلاه، أو مجموعة منها، يستطيع المضاربون توجيه سعر الصرف بالاتجاه الذي يرغبون فيه صعودا وهبوطا بما يخدم         أهدافهم.  

العوامل المُحفّزة للمضاربة بالعملة في اليمن
 
 1- الحرب والعوامل السياسية 

تعد الحرب والعوامل السياسية، وما خلفته من انقسامات وأثار مدمرة على الاقتصاد الوطني على كافة الأصعدة، من أهم العوامل المحفزة للمضاربة بالعملة.
  
 2- انهيار العملة الوطنية  

أدى الصراع الدائر في اليمن إلى انخفاض حاد في قيمة الريال اليمني، مما خلق بيئة مواتية للمضاربة بالعملة.
 

 3- الانتشار المخيف لشبكات وشركات الصرافة 

انتشرت شبكات وشركات الصرافة بشكل مخيف في بلادنا، وأصبحت من أهم الملاذات الآمنة لغسل الأموال المنهوبة من مقدرات الشعب اليمني. ونتيجة لعجز السيولة في البنوك وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها، خصوصا بعد تجميد أرصدتها في أذون الخزانة وحساباتها الجارية- طرف فرع البنك المركزي اليمني في صنعاء- انعدمت الثقة بالبنوك، وتحول معظم عملائها إلى شركات الصرافة وفتحوا الحسابات فيها. واستغلت شبكات وشركات الصرافة هذه الأموال، سواء أموال مساهميها المنهوبة، أم أموال عملائها في المضاربة بالعملة، للتأثير على سعر الصرف صعودا وهبوطا بما يخدم مصالحها وأهدافها.
 

 4- شح العملات الأجنبية 

عوامل عديدة أدت إلى نقص حاد في العملات الأجنبية؛ منها الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2014، وما خلفته من دمار للاقتصاد اليمني، وتوقف صادرات النفط، وانخفاض المساعدات، وغيرها من العوامل؛ مما زاد من الطلب على العملات الصعبة، الأمر الذي استغله المضاربون بالعملة لزيادة أنشطتهم وتأثيرهم السلبي على سوق الصرف.
 

 5- ضعف الرقابة الحكومية 

تعاني الحكومة اليمنية من ضعف في قدراتها على الرقابة على أسواق الصرف، مما سهل على المضاربين ممارسة أنشطتهم بحرية كاملة. حيث يستغل المضاربون ضعف الرقابة على أسواق الصرف لممارسة أنشطتهم.
 
6- غياب آليات الاستقرار المالي 

تفتقر اليمن إلى آليات فعّالة لضمان استقرار العملة الوطنية، مثل التدخلات في السوق من قبل البنك المركزي.
 
 7- انقسام البنك المركزي اليمني 

لعب الانقسام النقدي في اليمن دورًا هامًا في تفاقم ظاهرة المضاربة بالعملة. فوجود طبعتين متداولتين من العملة المحلية في اليمن (قديمة وجديدة) أدى إلى خلق بيئة مثالية للمضاربة. كما زاد الانقسام النقدي من فقدان الثقة بالعملة الوطنية، مما أدى إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية، الأمر الذي شجع على عملية المضاربة بالعملة. أضف إلى ذلك؛ فقد أدى وجود طبعتين متداولتين إلى تعدد أسعار الصرف، مما أتاح المجال للمضاربين للتلاعب بالأسعار.
 
 8- زيادة المعروض النقدي من العملة المحلية 

نتيجة عجز الموازنة العامة للدولة المستمر، قامت الحكومة الشرعية عن طريق بنكها المركزي في عدن بتغطية هذا العجز بشكل متكرر عن طريق الاصدار النقدي. الأمر الذي أدى إلى زيادة المعروض النقدي من العملة المحلية بشكل كبير ومخيف..!
 
 إضافة إلى ذلك، جاء قرار الحوثيين بمنع تداول الطبعة الحديثة التي أصدرها البنك المركزي في عدن في مناطق سيطرته، الأمر الذي أدى إلى اختلال توازن العرض من العملة في البلاد، وتركز بشكل كبير في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية نتيجة تحول كافة الطبعة الحديثة إلى مناطقها بعد رفضها من قبل الحوثيين. هذا الأمر أدى إلى زيادة المضاربة بالعملة بشكل كبير وعلى وجه الخصوص في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
 

المخاطر والأثار السلبية للمضاربة بالعملة في اليمن
 
تُلقي المضاربة بالعملة بثقلها على الاقتصاد الوطني، وعلى كاهل المواطنين، فتُعيق مسيرة حياتهم وتُعكر صفو عيشهم، تاركةً وراءها مآسي إنسانية واقتصادية لا حصر لها. وفيما يلي بعض المخاطر والآثار الناجمة عن المضاربة بالعملة: -
 
1. انهيار العملة الوطنية وفقدانها قيمتها الشرائية.

2. انعدام الثقة بالريال اليمني والتحول الى ما يسمى بـ "الدولرة".

3. ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، نتيجة تدهور قيمة العملة المحلية.

4. تُؤدي تقلبات أسعار العملات، نتيجة المضاربة؛ إلى ارتفاع حاد في الأسعار، مما يُفقد العملة قيمتها الشرائية، ويُثقل كاهل المواطنين، ويفاقم الأزمة الإنسانية، ويزيد من معاناة الشعب اليمني، خاصةً ذوي الدخل المحدود الذين يُصبحون عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من غذاء ودواء وملبس، نتيجة الارتفاع الجنوني في اسعار السلع والخدمات.

5. انخفاض معدلات الادخار والاستثمار لدى الافراد، نتيجة عدم وجود أي فائض للادخار أو الاستثمار، حيث يستهلك الأفراد جل دخولهم التي لا تغطي أبسط الاحتياجات.

6. تُعكر المضاربة بالعملة استقرار الاقتصاد الوطني، وتُعيق التخطيط السليم للمستقبل، مما يخلق مناخاً من عدم اليقين والخوف بين المواطنين، ويُثبط الاستثمار ويُعيق التنمية الاقتصادية.

7. تُفقد المضاربة بالعملة الثقة بالاقتصاد اليمني، مما يُعيق الاستثمار والتجارة وشل الحركة التجارية.

8. تُعيق المضاربة بالعملة النشاط الاقتصادي، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل، نتيجة الركود الاقتصادي وضعف الحركة التجارية والاستثمارية في البلاد. حيث تُغلق الشركات أبوابها وتُقلص حجم أعمالها، مما يُفقد العديد من الأشخاص مصدر رزقهم ويدفعهم إلى دائرة الفقر والعوز.

9. تؤدي المضاربة بالعملة إلى إضعاف الثقة بالنظام المالي والمصرفي.

10. تؤدي المضاربة بالعملة إلى فقدان رأس المال، حيث أن تقلبات الأسعار يمكن أن تؤدي إلى خسارة كبيرة للمشاريع وتآكل رأس المال.

11. تُساهم المضاربة بالعملة في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن. حيث تؤثر على المساعدات الإنسانية للمحتاجين نتيجة تأثرها بأسعار الصرف التي يتحكم بها المضاربون بالعملة.

12. تُؤدي الأزمات المالية الناتجة عن المضاربة بالعملة، إلى تراجع الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة، مما يُؤثر سلباً على جودة حياة المواطنين ويُعيق حصولهم على حقوقهم الأساسية.

13. يُعاني المواطنون من مشاعر اليأس والإحباط نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تسبب بها المضاربون بالعملة، مما يُشكل خطراً على الصحة النفسية للمجتمع ويُهدد الاستقرار الاجتماعي.
 

 

توصيات لمكافحة المضاربة بالعملة والحد من مخاطرها وآثارها المدمرة
 
إنّ مكافحة المضاربة بالعملة مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع، من حكومة ومؤسسات مالية ومواطنين. فكل ريال يتم إنقاذه من براثن المضاربين هو خطوة نحو استقرار الاقتصاد اليمني وتحسين حياة المواطنين.
 
وللحد من المضاربة بالعملة والمخاطر المرتبطة بها، لابد من تضافر الجهود في مكافحة المضاربة بالعملة في اليمن، وفيما يلي بعض التوصيات التي ينصح بها:

1- دعم جهود البنك المركزي اليمني (عدن) في مكافحة المضاربة بالعملة، وتعزيز دوره في التدخل في السوق المحلية عن طريق ضخ العملات الأجنبية للحد من تقلبات أسعار الصرف، وسحب البساط من تحت أقدام المضاربين في التأثير على سوق الصرف وتوجيهه بما يخدم مصالحهم.

2- تعزيز وتشديد الرقابة على أسواق الصرف، وشبكات الحوالات، وشركات الصرافة، وقنوات بيع وشراء العملات الأجنبية. 

3- مكافحة المضاربة بالعملة، من خلال ملاحقة المضاربين بها، واتخاذ إجراءات صارمة ضدهم، بما في ذلك مصادرة أموالهم وملاحقتهم قانونياً. 

4- التوعية، وبذل الجهود في نشر الوعي حول مخاطر المضاربة بالعملة على الاقتصاد الوطني وعلى الموطن، وتشجيع المواطنين على التعامل مع البنوك المرخصة. 

5- منع الصرافين من قبول ودائع العملاء، والتي تعد حكرا على البنوك ولا يسمح للصرافين بممارستها، وتوعية المواطنين بمخاطر الإيداع لدى الصرافين. 

6- تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب اليمني، للحد من دوافع المضاربة بالنسبة للمواطنين. 

7- اعادة تصدير النفط المتوقف منذ نهاية 2022 بسبب هجمات الحوثيين على موانئ التصدير، والذي بدوره سيرفد خزينة الدولة بالعملة الأجنبية، والتي تساعد البنك المركزي في التدخل في السوق، وتوجيهه لسعر صرف عادل يستهدفه البنك المركزي ويحافظ عليه، ويحد من تأثير المضاربين في سوق الصرف. 

8- بذل الجهود لتحسين بيئة الاستثمار وجذب الاستثمار الأجنبي، ممّا يُساهم في تحسين الاقتصاد اليمني، ويُقلّل من جاذبية المضاربة بالعملة. 

9- اضافة الى ذلك، يُطالب العديد من خبراء الاقتصاد بضرورة سن قوانين صارمة لمكافحة غسل الأموال والتحويلات المالية غير المشروعة، لما لها من دور  في تمويل المضاربة بالعملة. 

ختاماً
 
إنّ مخاطر وآثار المضاربة بالعملة على الاقتصاد اليمني مدمرة. كما أن معاناة المواطنين نتيجة المضاربة بالعملة تُمثل مأساة إنسانية حقيقية، تستدعي تدخلًا حكوميًا حازمًا لضبط أسواق العملات ومنع التلاعب بها، ووضع سياسات اقتصادية رشيدة تُساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
 
وإنّ التغلب على ظاهرة المضاربة بالعملة في اليمن، يتطلب جهداً وطنياً مكثفا، ومتكاتفاً من قبل جميع الجهات المعنية. فمن خلال التعاون، والعمل الجاد، يمكننا حماية اقتصادنا الوطني وتحقيق الاستقرار والنماء لليمن وشعبه. 
--------------------------
* باحث ومحلل اقتصادي
 

Advertisements

قد تقرأ أيضا