هل يحدث لك أن تعجب لسلوك ذهنك؟ يكون أحياناً كأنما جاده غيث سكينة، فإذا به يقفز قفزةً لم تحققها ميدالية ذهبية في أولمبياد. كما لو كان في سابع نومة فصدحت في سمعه سوبرانو بجواب الجواب. لأمرٍ ما راح يبحث عن المتاعب، كذلك الجدي الذي في المثل: «سعى إلى حتفه بظلفه».

قال: أتدري، خطرت لي خاطرة خطرة، إذا أدرك العالم العربي حقيقة أبعادها بذل قصارى جهده في سبيل تدارك محاذيرها، وإن تجاهلها وأهملها فعليه أن يضرب أوضاعه اليوم في عدد غير مسمّى. السؤال: ما هي منظومة القيم الثقافية، وملامح الإبداع في الفنون، ومظاهر الابتكار في العلوم، وصور الحضور الحضاري، التي تتألق اليوم في السماء العربية وتصير أمجاداً تفخر بها أجيال العرب المقبلة؟ بأيّ عمل مشترك تتحقق؟

التأملات الواعية، التي تحمل في طيّاتها قول الشاعر: «واكذبِ النفسَ إذا حدثتَها.. إنّ صِدقَ النفس يُغري بالأملْ»، تكشف لنا أن دخول العصر ليس بهذه السهولة، لقد تغيّر الزمان كثيراً وتغيرت الوسائل والأدوات التي يتطلبها الزمن. في الجاهلية مثلاً، كان شاعر القبيلة يضطلع بكوكبة من المسؤوليات، كان وزارة الثقافة، أجهزة الإعلام، مراكز البحوث والدراسات، المكتبة الوطنية، دور النشر، دائرة التسويق والترويج، البروباغاندا، بمفهوم غوبلز وواشنطن، مع بعض الأدوات الدبلوماسية، كان ذلك ممكناً حتى زمن أبي تمام والمتنبي.

اليوم، هيهات، فقد أضحت هذه الميادين أرخبيل جزر منفصلة منعزلة، لتشتت الجهود. إذا كان انعدام العمل العربي المشترك آفةً دالّةً على غياب الوعي الجماعي، فإن الأنكى هو أن الوزارات والمؤسسات في جلّ بلاد العُرْب أوطاني لا تعمل كجسم واحد متشكل من مجموعة أعضاء لها وظائف مشتركة، لكن ما يربطها ليس وحدة الوظائف بل وحدة الغاية، مثل الأوركسترا من المستوى الرفيع.

في معظم البلاد العربية همزة الوصل بينها مجلس الوزراء الذي يشرف عليها جميعاً، لهذا القاعدة الغالبة هي أن التعليم لا يرتبط بالتنمية ولا بالبحث العلمي، إن وجد، ولا جسور بين الصناعة والزراعة والبني التحتية والجامعات،: «كل شاة معلّقة من كراعها». المشهد الفائق التراجيديا: إذا تداعى بنيان ثلاثة أرباع العالم العربي، فإن الحريق لم يصل إلى الربع الأخير، فما الدّاعي إلى التحرّك؟ وعندما يصل فما جدوى التحرك؟

لزوم ما يلزم: النتيجة المغزوية: هل أدركتَ الآن أخطار الخاطرة وتداعياتها؟

عبداللطيف الزبيدي – صحيفة الخليج