فكرة سلاسل السوبر ماركت العملاقة قامت على أساس توافر كل ما تحتاجه تحت سقف واحد مع انخفاض الأسعار مقارنة بمتاجر التجزئة الصغيرة. لكن إذا انكسر طرفا المعادلة (الوفرة والسعر الرخيص)، ماذا يتبقى من الفكرة؟. قبل سنوات، كان السؤال عند الدخول للسوبر ماركت: ماذا أريد؟ بعد الأزمات المتلاحقة فى الإنتاج الغذائى وارتفاع الأسعار، أصبح السؤال: ما الذى أستطيع شراءه؟ السوبر ماركت مكان يختزل بين أرففه ومكوناته، أزمات البشر.. المنتجين والمستهلكين وبينهم الوسطاء والسماسرة والمستغلون.

الدعاية المصاحبة لمحال السوبر ماركت أنها تتحدى الزمان والجغرافيا. البرتقال الأرجنتينى المزروع صيفًا، يمكن الحصول عليه فى نصف الكرة الآخر بالشتاء. لحم الضأن الأسترالى تستطيع شراءه، وأنت على بعد آلاف الأميال. السلع المُنتجة فى مواسم السنة المختلفة والمستوردة من قارات عديدة، يتم رصها على أرفف واحدة بأسعار تنافسية، والفائز فى النهاية، المستهلك. خلال الفترة الماضية، فشلت تلك «الحكايات» الجميلة فى الصمود. نقص السلع أصبح القاعدة. إيفان فريزر، خبير التغذية الكندى يرى أننا «دخلنا عصر الاضطراب. أسطورة السوبر ماركت الممتلئ دائمًا بالأطعمة الرخيصة، لا تجد من يصدقها. عصر الوفرة الغذائية انتهى، وحل محله عصر أكثر كآبة».

أعاصير منطقة البحر الكاريبى دمرت محاصيل الذرة والذرة الرفيعة. الجفاف فى الهند قلل كميات السكر المنتجة ورفع أسعاره. فى مارس الماضى، ضرب إعصار دولة مدغشقر، أكبر منتج عالمى للفانيليا، مما زاد بشكل صاروخى من أسعار الآيس كريم. الحرب الأوكرانية الروسية قلصت كثيرًا إنتاج القمح. استمرار ارتفاع الحرارة من شأنه سحق محاصيل الطماطم بأمريكا وأستراليا وإسبانيا، مما سيجعل كثيرين يفكرون مرتين قبل شراء زجاجة «كاتشب». على مدى العقدين الماضيين، انخفض إنتاج البرتقال والجريب فروت بولاية فلوريدا الأمريكية بنسبة ٧٥٪. كل ذلك يعنى نقص المعروض، وبالتالى ارتفاع الأسعار.
هنا تأتى «حيل وألاعيب» شركات الأغذية بالاتفاق مع سلاسل السوبر ماركت التى لا تريد أن يلاحظ الناس نقص السلع، لذا تلجأ لتقليص الأحجام، ومع ذلك تواصل رفع الأسعار. شركات إنتاج المشروبات الغازية الثلاث التى تحتكر تقريبًا السوق العالمية، خفّضت حجم عبواتها ٢٪ ورفعت الأسعار ٥٩٪. الشيكولاتة انخفض حجم عبواتها ٨٪ وزادت الأسعار ٤٦٪. حتى حفاضات الأطفال انخفضت أحجامها ١١.٧٪ وزادت أسعارها ٣٨٪. ليس مدهشًا أنه رغم الأزمات الاقتصادية والمعيشية فإن معدلات أرباح الشركات الأمريكية الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية.

بعض الحكومات ناشدت سلاسل السوبر ماركت عدم رفع الأسعار بشكل عشوائى لكنها توقفت عند ذلك. حكومات أخرى قررت المواجهة. الحكومة الأسترالية أطلقت تحقيقًا شاملًا لمعرفة أسباب ارتفاع الأسعار. رئيس الوزراء أنتونى ألبانيز قال: «بالنسبة لى، عندما يبيع المزارعون منتجاتهم بسعر أقل، فإن على محال السوبر ماركت فرض زيادات أقل. حكومتى مستعدة لاتخاذ إجراءات للتأكد من أن المواطنين لا يدفعون دولارا (أستراليًا) واحدًا أكثر مما ينبغى مقابل ما يشترونه». الشهر الماضى تم الإعلان عن نتائج أولية للتحقيق الذى اتهم شركات عملاقة، بالاسم، باستخدام أساليب غير عادلة لزيادة الأرباح كالتلاعب بالأسعار واستغلال الموردين. العقوبات قد تصل إلى غرامة تعادل ١٠٪ من الإيرادات السنوية، وهى بمليارات المليارات، لأى متجر ينتهك القانون. بل هناك تفكير بتفكيك سلسلة المتاجر العملاقة كملاذ أخير.

تجربة المصريين مع سلاسل السوبر ماركت تعمقت وانتشرت نهاية التسعينيات مع دخول «سانسبيرى»، وتوسعه ليصل لأكثر من ١٠٦ أفرع خلال ٤ سنوات. جذب المتجر إقبالًا شديدًا، مما هدد محال التجزئة التى ساهمت فى خروجه من السوق ٢٠٠٣ بعد نشر شائعات ضده واتهامه بحرق الأسعار والاعتداء على عدة فروع. خلال العشرين عامًا التالية، جرت مياه كثيرة فى النهر. أصبحت سلاسل السوبر ماركت جزءًا من أسلوب حياة المصريين، لكنها للأسف اعتبرتهم وسيلة للمكاسب الهائلة، ولم تنظر إليهم كشركاء. التعاطف والانجذاب، اللذان سادا عند مفتتح الألفية الجديدة، حل محلهما غصة ومرارة من جانب المستهلكين.

عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم