الارشيف / اخبار العالم

ﻮﺣﺪة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﻧﺒﺬ اﻟﻌﻨﻒ واﻟﺘﻄﺮف ﺳــــﻤﺎت ممــــﻴﺰة ﻟﺴﻠﻄــــﻨﺔ ﻋُﻤـــــﺎن

ياسر رشاد - القاهرة - على مدار أكثر من نصف قرن اتسم المجتمع العمانى بالسماحة والاعتدال، ولم يعرف أى مظهر من مظاهر التشدد والغلو، فالشخصية العمانية بطبيعة نشأتها شخصية متزنة معتدلة، وتمكن خلال مسيرة البناء والتنمية أن يبنى نموذجاً متميزاً أطلق عليها الخبراء والمحللون سويسرا الشرق.

ورغم المتغيرات الموجودة فى المجتمعات العربية والعالمية، ظل المجتمع العمانى ينعم بالأمن والاستقرار ولم يعرف العنف يوماً له طريقاً، ولكن ما تعرض له مؤخراً تعد أول ظاهرة فى تاريخه.

ويمكن القول إن المجتمع العمانى مر باختبار صعب جداً، ندر أن يتعرّض لمثله عبر التاريخ، تجاوز مجرد الفحص العملى والميدانى لجاهزية مؤسساته العسكرية والأمنية وقدرتها على الاستجابة للأحداث الحساسة التى تمس أمن الوطن واستقراره وأمن المواطن والمقيم، إلى موضوع أكبر بكثير يتعلق بالتماسك المجتمعى والوحدة الوطنية التى ينظر إليها العمانيون باعتبارها خطًا أحمر لا يمكن المساس به بأى حال من الأحوال.

وأثبت العمانيون، رغم المفاجأة وعدم القدرة لبعض الوقت على استيعاب ما حدث، قوة اللُّحمة الوطنية وصلابة المجتمع فى وجه التحديات، كما أثبت وعيه العالى وحسّه الأمنى الرفيع وتحلّيه بأعلى درجات المسؤولية خلال تعامل الجهات الأمنية والعسكرية مع الحادث الشنيع.

ورغم أن الحادث هزّ المجتمع العمانى فإنه كشف عن معدنه الأصيل وعن مبادئه الراسخة التى لا يتنازل عنها مهما كان الأمر وفى مقدمتها رفض التطرّف بكل أشكاله ونبذ المذهبية والطائفية، وأهمية الالتفاف حول الوطن ومصلحته العليا وقيادته الأبية. وهذه كلها قيم آمَن بها المجتمع العمانى وطوّرها ورسّخها عبر الزمن ونجح فى اجتيازها فى كل مرة وضعه التاريخ فى مواجهتها.

لقد تضافرت جميع الجهود من أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية للتعامل مع الحادث والخروج منه بأقل الخسائر ورغم فاجعة بعض الوفيات التى تسببت فى ألم كبير للجميع فإن ما يخفف من وقع ذلك تلك الروح التضامنية وذلك التكاتف الكبير والتماسك خلال التعامل مع الحادث أو بعده، الأمر الذى يجعل سلطنة عمان تفخر بمجتمعها القوى وأجهزتها الأمنية التى أثبتت خبرتها وكفاءتها.

إن أهم ما يمكن أن تفعله المجتمعات فى مثل هذه اللحظات الصعبة، حتى مع اليقين بتجاوزها، هو التضامن وتعزيز اللحمة الوطنية والتأكيد على التماسك المجتمعى مسيراً ومصيراً وأن المجتمع العمانى محصن أمام النعرات الطائفية والمذهبية وأنه أصلب بكثير من أن ينكسر فى وجه حادث عابر مهما كان الأثر الذى تركه فى نفوس العمانيين وأشقائهم وأصدقائهم فى كل مكان.

إن التضحيات التى قُدمت هى امتداد لكل التضحيات التى قدمها العمانيون من أجل وطنهم عبر التاريخ، وهى تضحيات لا يمكن أن تُنسى أبداً، يحفرها العمانيون على حجارة جبالهم الصلدة، ويتذكرونها كلما شعروا بالأمن والأمان فى وطنهم.

وإذا كان من الممكن تجاوز حادث الوادى الكبير فى سياقه الخبرى فإن على المجتمع العمانى أن يستمد منه العزم والإصرار على المضى قدما فى بناء مجتمع أكثرً تلاحماً وتماسكاً وتحصيناً ضد كل التحولات التى يشهدها الإقليم والعالم، والعمل على تكريس قيم المجتمع الأصيلة وتأكيد اللحمة الوطنية لأنها السبيل الوحيد فى تحقيق المزيد من الاستقرار.

لكن هذا لا يعنى تجاوز المعنى الحقيقى فيما حدث وقراءة دوافعه وأسبابه العميقة والعمل جميعاً فى داخل الوطن ومع الآخرين من أجل أن تتخلص منها البشرية، وهذا الأمر يتطلب مراجعة فكرية كبيرة يتجاوز فيها الجميع، وخاصة النخب، الكثير من السطحيات والشكليات إلى الأعماق، فالبناء العميق والعمل الجاد والحقيقى عبر التاريخ هو الذى يبقى وهو وراء قوة المجتمع العمانى التى شاهدها الجميع فى هذه التجربة أو عبر قراءة المجتمع فى عمقه.

والحاصل أن حادث الوادى الكبير لن يضعِف من عزيمة العمانيين أو يضعضع مبادئهم وقيمهم بل سيزيدهم إصراراً على تعزيز وحدتهم الوطنية والوقوف معًا جميعًا فى وجه كل من يسعى لتفريق الصفوف أو زعزعتها، وسيظل العمانيون يداً واحدة وقلباً واحداً إلى الأبد.

 

Advertisements

قد تقرأ أيضا